للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البادية، فيقع فيها إنسانٌ، أو دابّةٌ، فلا شيء في ذلك على أحد. وكذلك لو حفر بئرًا في ملكه، أو في موات، فوقع فيها إنسانٌ، أو غيره، فَتَلِف، فلا ضمان إذا لم يكن منه تسبّبٌ إلى ذلك، ولا تغرير. وكذا لو استأجر إنسانًا ليحفر له البئر، فانهارت عليه، فلا ضمان، وأما من حفر بئرًا في طريق المسلمين، وكذا في ملك غيره بغير إذنٍ، فتلف بها إنسان، فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر، والكفّارة في ماله، وإن تَلِفَ بها غير آدميّ وجب ضمانه في مال الحافر، ويلتحق بالبئر كلّ حفرة على التفصيل المذكور. قاله في "الفتح". وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة السادسة، إن شاء اللَّه تعالى.

(وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) وقع في رواية الأسود بن العلاء عند مسلم: "والمعدن جرحها جُبَار". والحكم فيه ما تقدّم في البئر، لكن البئر مؤنثةٌ، والمعدن مذكّر، فكأنه ذَكَرَهُ بالتأنيث للمؤاخاة، أو لملاحظة أرض المعدن. فلو حفر معدنًا في ملكه، أو في موات، فوقع فيه شخصٌ، فمات، فدمه هدَرٌ، وكذا لو استأجر أجيرًا، يَعمل له، فانهار عليه، فمات، ويلتحق بالبئر، والمعدن في ذلك كلّ أجير على عمل، كمن استؤجر على صعود نخلة، فسقط منها، فمات. قاله في "الفتح".

وقال ابن قُدامة: اشتقاق المعدن، من عَدَن بالمكان يَعدِنُ: إذا أقام به، ومنه سميت الجنّة جنّة عدن؛ لأنها دار إقامة، وخلود. قال أحمد: المعادن: هي التي تُستَنبَط، ليس هو شيء دُفِن. وقال أيضًا: هو كلّ ما خرج من الأرض، مما يُخلق فيها، مما له قيمة، كالذهب، والفضّة، والرصاص، والصفر، والحديد، والياقوت، والزبرجد، والْبِلَّوْر، والعقيق، ونحو ها، وكذلك المعادن الجارية، كالقار، والنفط، والكبريت، ونحو ذلك.

فمن أخرج شيئًا من ذلك فعليه الزكاة من وقته، عند أحمد، وقال مالك، والشافعيّ: لا تتعلّق الزكاة إلا بالذهب والفضّة؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا زكاة في حَجَر".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه أحمد هو الأرجح عندي؛ لعموم قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية. والحديث الذي احتجّ به مالكٌ، والشافعيّ ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به؛ لأنه رواه عن عمرو بن شعيب، كلٌّ من عُمَر بن أبي عمر الكَلَاعِيّ، وعثمان بن عبد الرحمن الوقّاصيّ، ومحمد بن عبيد اللَّه العَرْزَميّ، وكلهم ضعفاء.

وأوجب الحنفيّة في المعدن الخمس؛ لأنه عندهم ركاز، والصحيح أن الواجب فيه الزكاة، كما هو قول الجمهور؛ لأن الحديث فرق بينهما، فجعل لكلّ منهما حكما ليس للآخر، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر، كما تقدّم بيان ذلك في شرح الحديث الماضي. واللَّه تعالى أعلم.