فالفرض فيه باق على حاله، حتى على قواعدهم، فلا يحتاج لتأويلهم الفرض بالواجب انتهى.
قال القاري: وفيه أن الإجماع على تقدير ثبوته إنما هو في لزوم هذا الفعل، وأما أنه على طريق الفرض، أو الواجب بناءً على اصطلاح الفقهاء المتأخّرين، فغير مسلّم، وأما قوله: ووجوبها مجمع عليه، كما حكاه المنذريّ، والبيهقيّ، فمنقوض بأن جمعًا حكوا الخلاف فيها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حمل كلام الشارع على الحقيقة الشرعيّة ما أمكن هو المتعيّن، وأما حمله على المصطلح الحادث فغير صحيح، فإن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ما كانوا يعرفون هذا الاصطلاح الحادث في الفرق بين الفرض والواجب، كما يقول به الحنفيّة، فعبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه عنهما - حين قال: فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - زكاة الفطر ما كان يقصد أنه دون فرض زكاة المال، وفرض صوم رمضان، بل كان يعتقد أنه من الفروض التي كلف اللَّه تعالى بها المكلّفين، من غير فرق بين فرض، وفرض، فمن فرض صوم رمضان، هو الذي فرض زكاة رمضان.
والحاصل أن ما ذهب إليه الأئمّة الثلاثة من أن صدقة الفطر فريضة هو الحقّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(زَكَاةَ رَمَضَانَ) أي الزكاة الواجبة عند الفطر من صوم رمضان، فإضافة الزكاة إلى "رمضان" من إضافة الشيء إلى سببه، كما سبق أوّل الباب.
فـ"زكاة" منصوب على المفعولية (عَلَى الْحُرِّ) متعلّق بـ "فرَضَ". قال السنديّ:"على" بمعنى "عن"، إذ لا وجوب على العبد، والصغير، كما في بعض الروايات؛ إذ لا مال للعبد، ولا تكليف على الصغير، نعم يجب على العبد عند بعض، والمولى نائبٌ عنه انتهى.
(وَالْعَبْدِ) ظاهره إخراج العبد عن نفسه، ولم يقل به إلا داود، فقال: يجب على السيّد أن يمكّن العبد من الاكتساب لها، كما يجب عليه أن يمكّنه من الصلاة. وخالفه أصحابه، والناس. واحتجّوا بحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - مرفوعًا:"ليس على المسلم في عبده صدقة، إلا صدقة الفطر". رواه مسلم. وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسائل، إن شاء اللَّه تعالى.
(وَالذَّكَرِ، وَالأُنْثَى، صَاعًا) منصوب على البدليّة من "زكاةَ رمضان"، أو حال منه، أو "زكاة" منصوب على نزع الخافض، أي في زكاة رمضان، والمفعول "صاعًا". أفاده السنديّ. وقال الحافظ السيوطيّ في "شرحه": قيل: إن "صاعًا" منصوب على أنه