مفعول ثان. وقيل: على التمييز. وقيل: خبر "كان" محذوفًا. وقيل: على سبيل الحكاية انتهى (١)(مِنْ تَمْرٍ) متعلّق بصفة لـ"صاعًا"(أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرِ)"أو" هنا للتخيير، فيُخيّر بين أن يخرج صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير (فَعَدَلَ النَّاسُ) أي جعلوه مثله، يقال: عَدَلْتُ هذا بهذا عدْلاً، من باب ضرب: إذا جعلته مثله، قائمًا مقامه، قال اللَّه تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام: ١]. ذكره في "المصباح".
والمراد بالناس معاويةُ - رضي اللَّه عنه -، ومن تبعه، فقد وقع التصريح به في حديث أيوب، عن نافع، أخرجه الحميديّ، في "مسنده"، عن سفيان بن عُيينة: حدّثنا أيوب، ولفظه:"صدقة الفطر صاعٌ من شعير، أو صاع من تمر، قال ابن عمر: فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع برّ بصاع من شعير". وهكذا أخرجه ابن خُزيمة في "صحيحه" من وجه آخر عن سفيان، وهو المعتمد، وهو موافق لقول أبي سعيد الآتي في ٣٨/ ٢٥١٣ - وهو أصرح منه.
وأما ما وقع عند أبي داود من طريق عبد العزيز بن أبي روّاد، عن نافع، قال فيه:"فلما كان عمر كثرت الحنطة، فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء. فقد حكم مسلم في "كتاب التمييز" على عبد العزيز فيه بالوَهَم، وأوضح الردّ عليه. وقال ابن عبد البرّ: قول ابن عُيينة عندي أولى. وزعم الطحاويّ أن الذي عدل عن ذلك عمر، ثم عثمان، وغيرهما، فأخرج عن يسار بن نُمير أن عمر قال له: "إني أحلف لا أعطي قومًا، ثم يبدو لي، فأفعل، فإذا رأيتني فعلت ذلك، فأطعم عنّي عشرة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع من حنطة، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير".
ومن طريق أبي الأشعث، قال: خطبنا عثمان، فقال: أدّوا زكاة الفطر مدّين من حنطة.
وسيأتي الكلام على ذلك، إن شاء اللَّه تعالى (بِهِ) أي بما ذُكر من صاع تمر، أو صاع من شعير (نِصْفَ صَاعٍ من بُرٍّ") يعني أنهم جعلوا نصف صاع من برّ يقوم مقام صاع من تمر، أو شعير، فيجزىء أداؤه عن صدقة الفطر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
(١) - "شرح السندي" ج ٥ ص ٤٧. و"شرح السيوطيّ" ج ٥ ص ٤٧ - ٤٨.