للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العرف بذلك نُزِّل اللفظ عليه؛ لأن الغالب أن الإطلاق في الألفاظ على حسب ما يخطر في البال من المعاني، والمدلولات، وما غلب استعمال اللفظ عليه فخطوره عند الإطلاق أقرب، فيُنَزَّل اللفظ عليه، وهذ ابن اء على أن يكون هذا العرف موجودًا في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. انتهى (١).

قال الخطّابيّ: وزعم آخرون أن هذا جملةٌ قد فُصِّلَت، والتفصيل لا يخالف الجملة، وإنما قال في أول الحديث صاعًا من طعام، ثمّ فصّله، فقال: صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو كذا، أو كذا، واسم الطعام شاملٌ لجميع ذلك انتهى (٢).

وقال القاري: قال علماؤنا: إن المراد بالطعام المعنى الأعمّ، لا الحنطة بخصوصها، فيكون عطف ما بعده عليه من باب عطف الخاصّ على العامّ.

قال الحافظ: وقد ردّ ذلك -أي حمل الطعام على البرّ- ابنُ المنذر، وقال: ظنّ بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد: "صاعًا من طعام" حجة لمن قال: صاعًا من حنطة، وهذا غلطٌ منه، وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام، ثمّ فسّره، ثم أورد طريق حفص بن ميسرة عند البخاريّ وغيره: أن أبا سعيد قال: "كنّا نُخرج في عهد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الفطر صاعًا من طعام، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر". وهي ظاهرة فيما قال.

وأخرج الطحاويّ نحوه من طريق أخرى، وقال فيه: "ولا يُخرَج غيره". قال: وفي قوله: "فلمّا جاء معاوية، وجاءت السمراء" دليلٌ على أنها لم تكن قوتًا لهم قبل هذا، فدلّ على أنها لم تكن كثيرة، ولا قوتًا، فكيف يُتوهّم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا؟ انتهى كلامه.

وأخرج ابن خزيمة، والحاكم في "صحيحيهما" من طريق ابن إسحاق، عن عبد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عثمان بن حكيم، عن عياض بن عبد اللَّه، قال: قال أبو سعيد، وذكروا عنده صدقة رمضان، فقال: "لا أُخرج إلا ما كنت أُخرج في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: صاع من تمر، أو صاع حنطة، أو صاع شعير، أو صاع أقط، فقال له رجلٌ من القوم: أو مدّين من قَمْح، فقال: لا، تلك قيمة معاوية مطويّة، لا أقبلها، ولا أعمل بها". قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوَهَمُ؟.

وقوله: "فقال له رجلٌ الخ" دالٌّ على أن ذكر الحنطة في أول القصّة خطأٌ، إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاعًا لَمَا كان الرجل


(١) - إحكام الأحكام ج ٣ ص ٣٢٠ - ٣٢١. بنسخة الحاشية.
(٢) - "المعالم" ج ٢ ص ٢١٨.