عليه طريق حفص بن ميسرة، وحديث ابن عمر عند ابن خزيمة، وأن الصحابة ما كانوا يُخرجون البرّ في عهده - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما يدلّ عليه رواية النسائيّ، والطحاويّ:"كنا نخرج في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، لا نخرج غيره"، وأنّ أبا سعيد ما أخرج البرّ في صدقة الفطر قطّ، لا في زمانه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا فيما بعده، لا صاعًا، ولا نصفه، كما يدلّ عليه رواية مسلم: إن معاوية لَمّا جعل نصف الصالح من الحنطة عَدْلَ صاع من تمر، أنكر ذلك أبو سعيد، وقال:"لا أخرج فيها إلا الذي كنت أخرج في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط". وفي رواية: قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عِشْتُ"، وأن أبا سعيد لَمّا تحقق عنده أن الصحابة أخرجوا في زمنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاعًا من جميع ما أخرجوا من الشعير، والأقط، والتمر، والزبيب، وغيرها، ذهب إلى أن المقدار الواجب من كلّ شيء صاع، أو لَمّا رأى أنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - شرع لهم صاعًا من غير البرّ، ولم يبيّن لهم حال البرّ، فقاس عليه أبو سعيد حال البرّ، ورأى أن الواجب في البرّ أيضًا صاعٌ. وقد روى أبو داود عن عياض، قال: سمعت أبا سعيد يقول: "لا أخرج أبدًا إلا صاعًا -أي من كلّ شيء- إنا كنّا نخرج على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاع تمر، أو شعير، أو أقط، أو زبيب". وأخرج الطحاويّ في "شرح معاني الآثار" جـ ٢ ص ٤٢ - عن عياض، قال: سمعت أبا سعيد، وهو يُسأل عن صدقة الفطر؟ قال:"لا أخرج إلا ما كنت أخرج على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فقال له رجلٌ: أو مدّين من قَمْحٍ، فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها، ولا أعمل بها". وأخرجه أيضًا الدارقطنيّ في "سننه" جـ ٢ ص ١٤٥ - ١٤٦ - ، والحاكم في "المستدرك" جـ ١ ص ٤١١ - وابن خزيمة في "صحيحه" جـ ٤ ص ٨٩ - ٩٠، والبيهقيّ جـ ٤ ص ١٦٦، وزادوا فيه:"أو صاعًا من حنطة" بعد قوله: "صاعًا من تمر". وقد صرّح ابن خزيمة، وأبو داود أن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ.
وأما ما أخرجه الطحاويّ بسنده ج ٢ ص ٤٤ عن أبي سعيد أنه قال:"إنما علينا أن نعطي لكلّ رأس عند كلّ فطر صاعًا من تمر، أو نصف صاع من برّ". فلا يوازي الروايات المتقدّمة، فلا يُلتفت إليه.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أي لأنه ضعيف، لأن في سنده الحسن البصريّ، عن أبي سعيد الخدريّ، والحسن لم يسمع من أبي سعيد الخدريّ (١)، وقد عنعنه، وهو
(١) - انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج ١ ص ٣٨٨ - ٣٩١ - فقد عدّ بهز بن أسد أبا سعيد الخدريّ من جملة من لم يسمع منهم الحسن، من الصحابة.