للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد الغروب، لم تلزمه، ولو كان حين الوجوب معسرًا، ثمّ أيسر في ليلته تلك، أو في يومه، لم يجب عليه شيء، ولو كان في وقت الوجوب موسرًا، ثمّ أعسر، لم تسقط عنه؛ اعتبارًا بحالة الوجوب، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر، فعليه صدقة الفطر، نصّ عليه أحمد.

وبما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوريّ، وإسحاق، ومالكٌ، في إحدى الروايتين عنه، والشافعيّ في أحد قوليه (١).

واحتجّ هؤلاء بما أخرجه أبو داود من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -: "فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث … " الحديث، وهو حديث حسن.

قالوا: لأنها أضيفت إلى الفطر، فكانت واجبة به، كزكاة المال، وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص، والسبب أخصّ بحكمه من غيره. ووجه ذلك أن الفطر من صوم رمضان، والخروج عنه جملةً يكون بغروب شمس آخر يوم من رمضان.

وقال الليث، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد، وهو رواية عن مالك؛ لأنها قربة تتعلق بالعيد، فلم يتقدّم وقتها يوم العيد، كالأضحيّة: ولأن هذا وقت الفطر، لا ما قبله؛ لأنه في كلّ ليلة كان يفطر كذلك، ثم يصبح صائمًا، فإنما أفطر من صومه جملةً صبيحةً يوم الفطر.

وقال ابن حزم: وقت زكاة الفطر الذي لا تجب قبله، وإنما تجب بدخوله، ثم لا تجب بخروجه، فهو إثر طلوع الفجر الثاني، من يوم الفطر ممتدًا إلى أن تبيضّ الشمس، وتحلّ الصلاة من ذلك اليوم نفسه. ثم استدلّ بحديث الباب. وقال: فهذا وقت أدائها بالنصّ، ثم ذكر في وقت الوجوب مثل المذهب الثاني.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن المذهب الأول هو الأرجح؛ لأنه أقرب إلى المعنى؛ لأن الصدقة مضافة إلى الفطر من رمضان، كما تقدّم، والفطر من رمضان يتحقّق بانسلاخ آخر يوم منه وذلك بغروب شمسه، فليلة العيد ليست منه، بل هي متابعة لما بعدها وهو يوم العيد، وهي وقت الفطر من رمضان، وأولها من غروب الشمس، فيتعلّق الوجوب به، وهذا ظاهر لمن تأمّل بإنصاف، فالحقّ أن الوجوب يتعلّق بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، فمن كان من أهل وجوب الفطر حينئذ لزمته، ومن لا فلا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في جواز تأخيرها عن وقتها:


(١) - "المغني" ج ٤ ص ٢٩٨ - ٢٩٩.