شيئًا من هذا القبيل أن يفرح، وُيظهر سروره، ويكون فرحه لما ذكرناه انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرحه"، بزيادة من "المفهم"(١).
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَن سَنَّ فِي الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً) أي من أتى بطريقة مرضيّة، يُقتَدَى به فيها، كما فعل الأنصاريّ الذي أتى بصُرّة، يقال: سنّ الطريقةَ: إذا سار فيها، كاستسنّها، قاله في القاموس.
والسنّة الحسنة هي: الطريقة المحمودة، التي يدلّ عليها الكتاب والسنّة (فَلَهُ أَجْرُهَا) أي أجر عملها (وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بَهِا) ظاهره أنّه يحصل له الأجر، ولو لم ينو المبتدىء أن يُتّبع فيها، ففيه ثبوت الأجر مع عدم نيّة الفاعل، فيكون مخصّصًا لحديث "إنما الأعمال بالنيّة"، واللَّه تعالى أعلم (مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) "نقص" يتعدّى، ويلزم، يقال: نَقَصَ المالُ نَقْصًا، وانتقص: إذا ذهب منه شيء بعد تمامه، ونقصته يتعدّى، ولا يتعدّى، هذه اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن في قوله تعالى:{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}[الرعد: ٤١] الآية، وقوله:{غَيْرَ مَنْقُوصٍ}[هود: ١٠٩]، وفي لغة ضعيفة يتعدّى بالهمزة والتضعيف، ولم يأت في كلام فصيح، وبتعدّى أيضًا بنفسه إلى مفعولين، فيقال: نقصت زيدا حقّه، وانتقصته مثله. أفاده الفيّوميّ. وما هنا من المتعدّي بنفسه، ولهذا نَصَبَ قوله: "شيئًا" (وَمَنْ سَنَّ فِي الْإسلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً) أي من فعل فعلًا قبيحًا، فاقتُدِي به فيه.
والسنّة السيّئة هي الطريقة المذمومة، وهي التي تُبتدَع بعد تمام الدين على أنها منه، وهي الْمَعْنِيّة بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار" (فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا) - بكسر، فسكون-: الإثم، والثِّقَل، يقال: وَزَرَ يَزِرُ، من باب وَعَدَ: إذا حمل الإثمَ، وفي التنزيل:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الآية [الأنعام: ١٦٤]. والجمع أوزارٌ، مثلُ حِمْلٍ وأحمالٍ. أي عليه إثم فعلها (وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بَها) أي ومثل وزر من عمل بها، وهذا لا يعارض قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؛ لأنّ هذا فعله، لا فعل غيره، وذلك لأنه ابتدأ هذه السنّة السيّئة، وتبعه عليها غيره، فصار سببًا في الشرِّ، فالإثم جاءه من تسبّبه. واللَّه تعالى أعلم. ("مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيئًا") يعني أنهم يتحمْلون أوزار عملهم السيّء كاملة، وهو يتحمّل وزر تسبّبه في ذلك.
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: وسبب هذا الكلام في هذا الحديث، أنه قال في أوّله: "فجاء رجلٌ بِصُرَّة، كادت كفّه تَعْجِزُ عنها"، ثمّ تتابع الناس"، وكان الفضل العظيم للبادىء بهذا الخير، والفاتحِ لباب هذا الإحسان.
وفي هذا الحديث تخصيص قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة"، وأن
(١) - "شرح مسلم للنوويّ" ج ٧ ص ١٠٥. و"المفهم" للقرطبيّ ج ٣ ص ٦٢ - ٦٣.