واقتصر الأكثرون على الكسر، منهم ابن قُتيبة، وثعلبٌ، والأزهريّ؛ لأنه مستعارٌ من سِدَاد القارورة، فلا يُغيّر، وزاد جماعةٌ، فقالوا: الفتح لحنٌ. وعن النضر بن شُمَيلٍ: سِدَادٌ من عَوَزٍ، إذا لم يكن تامّا، ولا يجوز فتحه. ونَقَل في "البارع" عن الأصمعيّ سِدَادٌ من عَوَزٍ بالكسر، ولا يقال: بالفتح، ومعناه: إن أعوز الأمر كلُّهُ ففي هذا ما يَسُدُّ بعضَ الأمر انتهى كلام الفيّوميّ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن الصواب في قوله: "سِدَادًا من عيش" في هذا الحديث بالكسر، وإن جوز بعضهم الفتح فيه أيضًا.
وإلى ما تقدّم أشار شيخنا عبد الباسط المناسي -رحمه اللَّه تعالى- بقوله:
[تنبيه]: رواية المصنّف تخالف رواية مسلم، وغيره، فإن فيها أن قوله:"حتى يُصيب قواما من عيش الخ" قيد في القسمين الأخيرين، وأما الأول فقيّده بقوله:"حتى يصيبها"، وهو المناسب، ولفظ مسلم:"يا قبيصة، إن المسألة لا تحل، إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ تحمل حَمَالة، فحلت له المسألة، حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، اجتاحت ماله، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش"، أو قال:"سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة، من ذوي الحجا، من قومه، لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش"، أو قال:"سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة، يا قبيصة، سحتا يأكلها صاحبها سحتا". والضمير المؤنّث في قوله:"يصيبها" للحمالة.
(وَرَجُلٍ) يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة على ما تقدّم في الذي قبله (أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ) هي الآفة التي تُهلك الثمار، والأموال، وتستأصلها، كالغرق، والحرق، والبرد، المفسد للزروع والثمار. قال الفيّوميّ: الجائحة الآفة، يقال: جاحت الآفة المالَ تَجُوحُهُ جَوْحًا، من باب قال: إذا أهلكته، وتَجِيحه جِيَاحةً لغةٌ، فهي جائحةٌ، والجمع الجوائحِ، والمال مَجُوحٌ، ومَجِيحٌ، وأجاحته بالألف لغة ثالثةٌ، فهو مُجَاحٌ، واجتاحتِ المال، مثلُ جاحته. انتهى.