وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إنما كانت الصدقة كذلك؛ لأنها تطهّرهم من البخل، وأموالَهم من إثم الكنز، فصارت كماء الغُسالة التي تُعاب. ومساقُ الحديث والتعليل يقتضي أنها لا تحلّ لأحد من آل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وإن كانوا عاملين عليها، وهو رأي الجمهور، وقد ذهب إلى جوازها لهم إذا كانوا عاملين عليها أبو يوسف، والطحاويّ، والحديث ردّ عليهم. انتهى (١).
[فإن قيل]: كيف أباح النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الصدقة لأمته، وقد أخبر أنها أوساخ الناس، ولذا حرّمها عليه، وعلى آل بيته؟.
[أجيبب]: بأنه إنما أباحها للضرورة، فلذا جاءت النصوص الكثيرة في النهي عن سؤالها، فينبغي للحازم أن لا يراها مباحة إلا للضرورة، فلا يتوسّع فيها، بل يتناول منها للحاجة الملحّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عبد المطّلب بن ربيعة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٩٥/ ٢٦٠٩ - وفي "الكبرى" ٩٧/ ٢٣٩٠. وأخرجه (م) في "الزكاة" ١٠٧٢ (د) في "الخراج" ٢٩٨٥ (أحمد) في "مسند الشاميين" ٦٤١٧٠. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم استعمال آل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على الصدقة، وأخذ العُمَالة عليه، وهو التحريم، فلا يجوز لآل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أخذ العُمَالَةِ على الصدقات، وهو رأي الجمهور، وهو الصواب؛ لأن حديث الباب نصّ صريح في ذلك (ومنها): تحريم الصدقة على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وآله، سواء كان صدقة الفرض، أم صدقة التطوّع على الراجح؛ لإطلاق النّصّ، وسيأتي اختلاف أهل العلم فيه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى (ومنها): بيان فضيلة أهل بيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومكانتهم الرفيعة، حيث حرّم اللَّه تعالى عليهم الصدقات؛ لكونها أوسخ الناس (ومنها): أن الصدقة أوساخ أرباب الأموال، فلا ينبغي لعاقل أخذها، إلا إذا وقع في حاجةٍ مُلحَّةٍ، وضرورةٍ مُلجْئةٍ. واللَّه تعالى أعلم