للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحجّ في اللغة قصدٌ فيه تكرار انتهى (١).

(ومنها): أنه يدلّ على أن المسلم إذا حج مرّة، ثم ارتدّ عن الإسلام -والعياذ باللَّه- ثم أسلم أنه لا يلزمه إعادة الحجّ. وهذا مذهب الشافعي -رحمه اللَّه تعالى-، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه، ومالك -رحمهم اللَّه تعالى- إلى أن المرتدّ لو عاد إلى الإسلام لا تعود إليه حسنات أعماله، ولكن لا يلزمه إعادة ما أدّاه منها قبل الرّدّة، إلا الحجّ، فيلزمه إعادته؛ لأن وقته العمر، فلما أحبط حجه بالردّة، ثم أدرك وقته مسلمًا لزمه، وكذا يلزمه إعادة فرض أدّاه، فارتد، ثم أسلم في الوقت (٢).

(ومنها): أن جميع الأشياء على الإباحة حتى يثبت دليل المنع من قبل الشارع (ومنها): أنه استدلّ به من قال: إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يجتهد في الأحكام؛ لقوله: "ولو قلت: نعم، لوجبت". وأجاب من منع ذلك باحتمال أن يكون أوحي إليه ذلك في الحال، والقول بالمنع أرجح؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أن من أُمر بشيء، فعجز عن بعضه، ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه. وبذلك استدلّ المزنيّ -رحمه اللَّه تعالى- على أنّ ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه، ومن ثمّ كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد (ومنها): أن اعتناء الشارع بالمنهيّات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيّات، ولو مع المشقّة في الترك، وقيّد في المأمورات بقدر الطاقة. وهذا منقول عن الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-.

[فإن قيل]: إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضًا؛ إذ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.

[أجيب]: بأن الاستطاعة تطلق باعتبارين. قال الحافظ: كذا قيل، والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدلّ على المدّعَى من الاعتناء به، بل هو من جهة الكفّ، إذ كلّ أحد قادر على الكفّ، لولا داعية الشهوة مثلًا، فلا يُتصوّر عدم الاستطاعة عن الكفّ، بل كلّ مكلّف قادرٌ على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثمّ قُيّد في الأمر بحسب الاستطاعة، دون النهي.

وعبّر الطوفي في هذا الموضع بأن ترك المنهيّ عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود. وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهيّ عنه قد تتخلّف.


(١) - "معالم السنن" ج ٢ ص ٢٧٥.
(٢) - راجع "المنهل العذب المورود" ج ١٠ ص ٢٥٧ - ٢٥٨.