للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستدلّ له بجواز أكل المضطرّ الميتة. وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة.

(ومنها): أنه استُدلّ به على أن المكروه يجب اجتنابه؛ لعموم الأمر باجتناب المنهيّ عنه، فشمل الواجب والمندوب. وأجيب بأن قوله: "فاجتنبوه" يُعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر، وهو الأمر.

وقال الفاكهانيّ: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض، وهو المحرّم، وتارة لا معه، وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما.

(ومنها): أنه استدلّ به على أن المباح ليس مأمورًا به؛ لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب، وكذا عكسه.

وأجيب بأن من قال: المباح مأمور به، لم يُرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعمّ، وهو الإذن.

(ومنها): أنه استدلّ به على أن الأمر لا يقتضي التكرار، ولا عدمه. وقيل: يقتضيه.

وقيل: بل يُتوقّف فيما زاد على مرّة. وحديث الباب يتمسّك به لذلك؛ لما في سببه أن السائل قال في الحجّ: "أكلّ عام؟ "، فلو كان مطلقه يقتضي التكرار، أو عدمه لم يحسُن السؤال، ولا العناية بالجواب. وقد يقال: إنما سأل استظهارًا واحتياطًا.

وقال المازريّ: يحتمل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحجّ في اللغة قصد فيه تكرارٌ، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر.

وقد تمسّك به من قال بإيجاب العمرة؛ لأن الأمر بالحجّ إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحجّ لا يجب إلا مرّة، فيكون العود إليه مرّة أخرى دالًّا على وجوب العمرة. وسيأتي الكلام على هذا في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى.

(ومنها): أنه استُدلّ به على النهي عن كثرة المسائل، والتعمّق في ذلك.

قال البغويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح السنّة": المسائل على وجهين: "أحدهما": ما كان على وجه التعليم لما يُحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز، بل مأمور به؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} الآية [النحل: ٤٣]، وعلى ذلك تتنزّل أسئلة الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم - عن الأنفال، والكلالة، وغيرهما.

"ثانيهما": ما كان على وجه التعنّت والتكلّف، وهو المراد في هذا الحديث. واللَّه أعلم.

ويؤيّده ورود الزجر في الحديث عن ذلك، وذمّ السلف، فعند أحمد من حديث