للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معاوية: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نهى عن الأغلوطات". قال الأوزاعيّ: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعيّ أيضًا: إن اللَّه إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقلّ الناس علما. وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل. وقال ابن العربيّ: كان النهي عن السؤال في العهد النبويّ خشية أن ينزل ما يشقّ عليهم، فأما بعده فقد أُمِن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع. قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حرامًا إلا للعلماء، فإنهم فرّعوا، ومهّدوا، فنفع اللَّه من بعدهم بذلك، ولا سيّما مع ذهاب العلماء، ودروس العلم انتهى ملخّصا.

قال الحافظ: وينبغي أن يكون محلّ الكراهة للعالم، إذا شغله ذلك عمّا هو أهمّ منه.

وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجرّدًا عما يندر، ولا سيّما في المختصرات؛ ليسهل تناوله. واللَّه المستعان انتهى.

(ومنها): أن فيه إشارةً إلى الاشتغال بالأهمّ المحتاج إليه عاجلًا عما لا يحتاج إليه في الحال، فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر، واجتناب النواهي، فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع.

فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن اللَّه تعالى ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم يجتهد في تفهّم ذلك، والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العلميّات يتشاغل بتصديقه، واعتقاد أحقيّته، وإن كان من العمليّات بذَلَ وُسْعه في القيام به، فعلًا وتركًا، فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرّف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع، فأما إن كانت الهمّة مصروفةٌ عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع، وقد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع، فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقّه في الدين إنما يُحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدل (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): عقد الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" بابًا مهمًّا جدًّا، له شدّة ارتباط بحديث الباب، وكتب الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في شرحه كلامًا نفيسًا أحببت إيراده تتميمًا للفائدة، ونشرًا للعائدة، قال -رحمه اللَّه تعالى-:


(١) - راجع لهذه الفوائد "فتح الباري" في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" ج ١٥ ص ١٨٨ - ١٩٢ طبعة دار الفكر.