للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"باب ما يكره من كثرة السؤال، وتكلّف ما لا يعنيه، وقول اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} " [المائدة: ١٠١]. ثم ساق بسنده عن سعد بن أبي وقّاص - رضي اللَّه تعالى عنه -، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "إن أعظم المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء، لم يُحرِّم، فحرّم من أجل مسألته"، ثم أورد بعده ثمانية أحاديث.

قال الشارح -رحمه اللَّه تعالى-: كأنه يريد أن يستدلّ بالآية على المدّعَى من الكراهة، وهو مصير منه إلى ترجيح بعض ما جاء في تفسيرها، وقد ذكرتُ الاختلاف في سبب نزولها في "تفسير سورة المائدة"، وترجيح ابن المنيّر أنه في كثرة المسائل عما كان، وعمّا لم يكن، وصنيع البخاريّ يقتضيه، والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيّده. وقد اشتدّ إنكار جماعة من الفقهاء ذلك، منهم:

القاضي أبو بكر بن العربيّ، فقال: اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلّقًا بهذه الآية، وليس كذلك؛ لأنها مصرّحة بأن المنهيّ عنه ما تقع المسألة في جوابه، ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى.

قال الحافظ: وهو كما قال؛ لأن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي، ويؤيّده حديث سعد الذي صدّر به المصنّف الباب: "من سأل عن شيء، لم يحرّم، فحرّم من أجل مسألته"، فإن مثل ذلك قد أُمن وقوعه، ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار، وقال: سنده صالح، وصححه الحاكم، من حديث أبي الدرداء - رضي اللَّه تعالى عنه -، رفعه: "ما أحلّ اللَّه في كتابه، فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفو، فاقبلوا من اللَّه عافيته، فإن اللَّه لم يكن ينسى شيئًا، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ". وأخرج الدارقطنيّ من حديث أبي ثعلبة - رضي اللَّه تعالى - عنه، رفعه: "إن اللَّه فرض فرائض، فلا تضيّعوها، وحدّ حدودًا، فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم، غيرَ نسيان، فلا تبحثوا عنها". وله شاهد من حديث سلمان - رضي اللَّه تعالى عنه -، أخرجه الترمذيّ. وآخر من حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى - عنهما، أخرجه أبو داود. وقد أخرج مسلم، وأصله في البخاريّ، من طريق ثابت، عن أنس - رضي اللَّه تعالى عنه -، قال: "كنّا نُهينا أن نسأل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن شيء، وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية، فيسأله، ونحن نسمع … " فذكر الحديث. وللبخاريّ في قصّة اللعان من حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "فكره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - المسائل، وعابها". ولمسلم عن النوّاس بن سمعان - رضي اللَّه عنه -، قال: "أقمت مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -". ومراده أنه قدم وافدًا، فاستمرّ بتلك الصورة لِيُحَصِّلَ