للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مطلوب، لا مكروه، بل ربّما كان فرضًا على من تعيّن عليه من المجتهدين.

(ثانيهما): أن يدقّق النظر في وجوه الفروق، فيفرّق بين متماثلين بفرق ليس له أثرٌ في الشرع مع وجود وصف الجمع، أو بالعكس، بأن يجمع بين مترّقين بوصف طرديّ مثلًا، فهذا الذي ذمّه السلف، وعليه ينطبق حديث ابن مسعود، رفعه: "هلك المتنطّعون". أخرجه مسلم، فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب، ولا في السنّة، ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جدًّا، فيصرف فيها زمانًا كان صرفه في غيرها أولى، ولا سيّما إن لزم من ذلك إغفال التوسّع في بيان ما يكثر وقوعه، وأشدّ من ذلك في كثرة السؤال، البحثُ عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها، مع ترك كيفيتها، ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحسّ، كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدّة هذه الأمّة، إلى أمثال ذلك مما لا يُعرف إلا بالنقل الصِّرْف، والكثير منه لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به من غير بحث، وأشدّ من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشكّ والحيرة.

وقال بعض الشرّاح مثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتي بالإذن أن يسأل عن السِّلَعِ التي توجد في الأسواق، هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها إليه، أو لا؟، فيجيبه بالجواز، فإن عاد، فقال: أخشى أن يكون من نهب، أو غصب، ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة، فيحتاج أن يجيبه بالمنع، ويقيّد ذلك، إن ثبت شيء من ذلك حرم، وإن تردّد كره، أو كان خلاف الأولى، ولو سكت السائل عن هذا التنطّع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في التمثيل للتنطّع في السؤال بهذا المثال نظر لا يخفى لمن تأمّل. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وإذا تقرّر ذلك، فمن يسدّ باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها، فإنه يقلّ فَهْمُهُ وعلمه، ومن توسّع في تفريع المسائل، وتوليدها، ولا سيّما فيما يقلّ وقوعه، أو يندر، ولا سيّما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة، فإنه يذمّ فعله، وهو عين الذي كرهه السلف.

ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب اللَّه، محافظًا على ما جاء في تفسيره عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعن أصحابه الذين شاهدوا التنزيل، وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه، ومفهومه، وعن معاني السنّة، وما دلّت عليه كذلك، مقتصرًا على ما يصلح للحجّيّة منها، فإنه الذي يُحمَد، ويُتنفع به، وعلى ذلك يُحمل عمل فقهاء الأمصار، من التابعين، فمن