للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية، فعارضتها الطائفة الأولى، فأكثر بينهم المراء والجداله، وتولّدت البغضاء، وتسمَّوْا خُصُومًا، وهم من أهل دين واحد، والواسط هو المعتدل من كلّ شيء، وإلى ذلك يشير قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث الباب: "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم"، فإن الاختلاف يجرّ إلى عدم الانقياد.

وهذا كلّه من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم.

وأما العمل بما ورد في الكتاب والسنّة، والتشاغل به، فقد وقع الكلام في أيّهما أولى، والإنصاف أن يقال: كلُّ ما زاد على ما هو في حقّ المكلّف فرض عين، فالناس فيه على قسمين: مَنْ وجد في نفسه قوّةً على الفهم، والتحرير، فتشاغله بذلك أولى من إعراضه عنه، وتشاغلِهِ بالعبادة؛ لما فيه من النفع المتعدّي. ومن وجد في نفسه قصورًا، فإقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين (١)، فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه. والثاني لو أقبل على العلم، وترك العبادة فاته الأمران؛ لعدم حصول الأول له، وإعراضه به عن الثاني انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بَحْثٌ نفيس جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعمِ الوكيل.

٢٦٢٠ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ, قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَامَ, فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ» , فَقَالَ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ , فَسَكَتَ, فَقَالَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ, ثُمَّ إِذًا لَا تَسْمَعُونَ, وَلَا تُطِيعُونَ, وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم تقدّموا غير اثنين:

١ - (موسى بن سلمة) بن أبي مريم المصريّ، مولى بني جُمَح، مقبول [٧].

قال أبو عمر الكنديّ: كان من أكتب الناس للعلم في زمانه. وذكره ابن حبّان في "الثقات". وقال ابن القطّان: مجهول. قال ابن يونس: يقال: مات سنة (١٦٣) ولم يُسِنّ. انفردٍ به المصنّف، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.

٢ - (أبو سنان الدؤليّ) يزيد بن أميّة المدنيّ، مشهور بكيته، ويقال: اسمه ربيعة، ثقة [٢].

قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: وُلد زَمَن أحد. وذكره ابن حبّان في "الثقات"،


(١) - ولقد أحسن بعضهم حيث قال فيمن هذا حاله:
وَمَنْ يَكُنْ فِي فَهْمِهِ الْبَلَادَهْ … فَلْيصْرِفِ الْوَقْتَ إِلَى الْعِبَادَهْ