للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن التين: إن "إلى" يحتمل أن تكون بمعنى "مع"، كقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢]، وقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصفّ: ١٤]، فيكون التقدير: العمرة مع العمرة مكفّرة لما بينهما، فإذا كانت للغاية كان المكفّر هو العمرة الأولى، وإذا كانت بمعنى "مع" كان المكفّر العمرتين. ويدلّ للثاني حديث: "العمرتان تكفّران ما بينهما". أخرجه البيهقيّّ في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى - عنه. قال المناويّ: فيه من لم أعرفهم، ولم أرهم في كتب الرجال.

وقال السنديّ: قيل: يحتمل أن تكون "إلى" بمعنى "مع"، أي العمرة مع العمرة. أو بمعناها متعلّقة بـ "كفّارة"، أي تكفّر إلى العمرة، ولازمه أنها تكفّر الذنوب المتأخّرة. انتهى.

(كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) هذا ظاهر في فضل العمرة، وأنها مكفّرة للخطايا الواقعة بين العمرتين.

قال الحافظ ابن العبد البرّ: "كفّارة لما بينهما" من الذنوب الصغائر، دون الكبائر، قال: وذهب بعض علماء عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه. قال الزرقاني: وكأنه يعني الباجيّ، فإنه قال: "ما" من ألفاظ العموم، فتقتضي من جهة اللفظ تكفير جميع ما يقع بينهما إلا ما خصّه الدليل.

واستشكل بعضهم كون العمرة كفّارة مع أن اجتناب الكبائر يكفّر، فماذا تكفّره العمرة.

وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عامّ لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثيّة. ذكره الزرقانيّ (١).

وقال العينيّ: ظاهر الحديث أن الأولى هي المكفّرة؛ لأنها التي وقع الخبر عنها أنها تكفّر، ولكن الظاهر من جهة المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفّر ما قبلها إلى العمرة التي قبلها، فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر انتهى (٢).

وقال الأبيّ: الأظهر أن الحديث خرج مخرج الحثّ على تكرير العمرة والإكثار منها؛ لأنه إذا حُمل على غير ذلك يُشكل بما إذا اعتمر مرّة واحدة، فإنه يلزم عليه أن لا فائدة لها؛ لأن فائدتها، وهو التكفير مشروطة بفعلها ثانية؛ إلا أن يقال: لم تنحصر فائدة العبادة في تكفير السيّئات، بل يكون فيها، وفي ثبوت الحسنات، ورفع الدرجات، كما

ورد في بعض الأحاديث: من فعل كذا كتب له كذا كذا حسنة، ومحيت عنه كذا كذا


(١) - "شرح الزرقاني على الموطّأ" ج ٢ ص ٢٦٨.
(٢) - "عمدة القاري" ج ١٠ ص ١٠٨ - ١٠٩.