للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الاحتمال الثاني هو الأرجح عندي، كما استظهره المحب الطبري -رحمه اللَّه تعالى-. واللَّه تعالى أعلم.

(فَإنَّهُمَا) أي الحجّ والعمرة المتتابعين (يَنْفِيَانِ الفَقْرَ) أي يزيلان الفقر الظاهر بحصول غنى اَليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب (وَالذنُوبَ) أي يمحوانه، وفي حديث عامر بن ربيعة عند أحمد: "فإن متابعةٌ بينهما تنفي الفقر والذنوب"، وفي سنده عاصم ابن عبيد اللَّه، وهو ضعيف. وفي أخرى له، وللطبرانيّ في "الكبير": "فإن متابعة بينهما تزيد في العمر، والرزق، وتنفيان الفقر، والذنوب"، وفي السند عاصم المذكور أيضًا.

قيل: المراد بالذنوب الصغائر، لكن يأباه قوله (كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ) بكسر الكاف: زِقٌّ، أو جلد غليظ ذوحافات. وقال ابن سيده: الكبير: الزقّ الذي ينفخ فيه الحدَّاد، والجمع أَكْيار، وكِيَرة. أفاده في "اللسان".

وقال في "المرعاة": هو ما يَنفُخُ فيه الحدّاد من الزّقّ، أو الجلد؛ لإشعال النار للتصفية، وأما الموضع الذي يوقد فيه الفحم من حانوت الحدّاد فهو الكُور بضم الكاف. وقيل: بالعكس. وقيل: لا فرق بينهما (١)

وقال السنديّ: كِير الحدّاد المبنيّ من الطين. وقيل: زقّ ينفخ به النار، فالمبنيّ من الطين كُور. والظاهر أن المراد ههنا نفس النار على الأول، ونفخها على الثاني انتهى (٢)

(خَبَثَ الْحَدِيدِ) بفتحتين، ويُروى بضمّ، فسكون: هو الوسخ، والرديء الخبيث. وفي حديث ابن مسعود الآتي بعد هذا: "كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضّة".

شبّه متابعة الحجّ والعمرة في إزالة الذنوب بإزالة النار خبث الحديد؛ لأن الإنسان مركوز في جِبلّته القوّة الشهويّة، والغضبيّة، محتاج لرياضةٍ تزيلها، والحجُّ جامع لأنواع الرياضات، مَن إنفاق المال، وجهد النفس بالجوع، والظمأ، والسهر، واقتحام المهالك، ومفارقة الوطن، ومهاجرة الإخوان، والخلاّن، وغير ذلك.

والحديث استدلّ به من قال بوجوب العمرة، فإن ظاهره التسوية بينهما. وفيه أن هذا استدلال بمجرّد اقتران العمرة بالحجّ، وهو لا يكون دليلاً على وجوبها, لما تقرّر في الأصول من ضعف دلالة الاقتران.

لكن تقدّم أن أدلّة وجوب العمرة أقوى، فالقول بوجوبها هو الأرجح، فراجع ما تقدّم في باب "وجوب العمرة" -٢/ ٢٦٢١ - . واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا


(١) - راجع "المرعاة" ج ٩ ص ٣٩٠.
(٢) - "شرح السنديّ" ج ٥ ص ١١٥.