للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العمل بالحديثين، فتبصّر.

والحاصل أن القول بثبوت الإحصار بغير العدوّ، كالمرض، ونحوه، كما هو مذهب الثوريّ، وأصحاب الرأي، والبخاريّ، والمصنّف، وابن حزم -رحمهم اللَّه تعالى- هو الأرجح؛ لصحّة حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم.

(وَعَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى) وفي رواية أخرى: "وعليه الحجّ من قابل". وهذا محمول على من لم يحجّ حجة الإسلام، على الراجح. قال عكرمة (فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسِ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنهم - (عَنْ ذَلِكَ؟) أي صحة ما سمعه من الحجّاج بن عمرو - رضي اللَّه عنه - (فَقَالا: صَدَقَ) وفي رواية: "فذكرت ذلك لابن عباس، وأبي هريرة، فقالا: صدق".

قال الخطابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: في الحديث حجة لمن رأى الإحصار بالمرض، والعذر يعرض للمحرم من غير حبس العدوّ، وهو مذهب الثوريّ، وأصحاب الرأي.

وقال مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق: لا حصر إلا حصر العدوّ. وقد روي ذلك عن ابن عباس، وروي معناه أيضًا عن ابن عمر. وعلل بعضهم حديث الحجاج بن عمرو بأنه قد ثبت عن ابن عباس خلافه، وهو أنه قال: لا حصر إلا حصر العدوّ، فكيف يصدّق الحجاج فيما رواه من أن الكسر حصر. وتأوله بعضهم على أنه إنما يحلّ بالكسر، والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضُبَاعة بنت الزبير - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالوا: ولو كان الكسر عذرًا لم يكن لاشتراطها معنى، ولا كانت بها إلى ذلك حاجة.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد عرفت الجواب عن الاستشكال فيما ذكرته قريبًا، فلا تنس. واللَّه تعالى أعلم.

وأما قوله: "وعليه الحجّ من قابل"، فإنما هذا فيمن كان حجة عن فرض، فأما المتطوّع بالحجّ إذا حُصر فلا شيء عليه غير هدي الإحصار. وهذا على مذهب مالك، والشافعي. وقال أصحاب الرأي: عليه حجة، وعمرة، وهو قول النخعيّ. وعن مجاهد، والشعبيّ، وعكرمة عليه حجة من قابل انتهى قول الخطابيّ (١).

وقال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: في "تهذيب السنن": وإن صحّ حديث الحجاج ابن عمرو، فقد حمله بعض أهل العلم أنه يحلّ بعد فواته بما يحلّ به من يفوته الحجّ بغير مرض، فقد روينا عن ابن عباس ثابتًا عنه أنه قال: "لا حصر إلا حصر عدو".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التأويل فيه نظر لا يخفى، والوجه ما قدّمناه. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "معالم السنن" ٢/ ٣٦٨.