وحاجته إليه أنه يوقد به النار. وقال الطبريّ: القين عند العرب كلّ ذي صناعة يُعالجها بنفسه. ووقع في رواية للبخاريّ في "المغازي": "فإنه لا بدّ منه للقين، والبيوت"، وفي رواية له:"فإنه لصاغتنا، وقبورنا". ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبّة الجمع بين الثلاثة، ووقع عنده أيضًا:"فقال العباس: يا رسول اللَّه إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر، لقينهم، وبيوتهم".
وهذا يدلّ على أنَّ الاستثناء في حديث الباب لم يرد به العباس أن يستثني هو، وإنما أراد أن يلقّن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الاستثناء. أفاده في "الفتح"(١).
(فَذَكَرَ كَلِمَةً) أي ذكر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كلمة لم يحفظها الراوي، وإنما حفظ معناها، كما بينه بقوله (مَعْنَاهَا) أي معنى تلك الكلمة، وهو مبتدأ خبره قوله (إِلاَّ الْإذْخِرَ) حاصله أن الراوي شكّ في لفظ الاستثناء في كلام النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مع أنه حفظ لفظ العباس، فبين أنه حفظ المعنى، لا اللفظ، وهو "إلا الإذخر". وهو استثناء بعض من كلّ؛ لدخول الإذخر في عموم ما يُختلى.
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: اختلفوا هل كان قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إلا الإذخر" باجتهاد، أو وحي؟. وقيل: كَأَنَّ اللَّه تعالى فوّض له الحكم في هذه المسألة مطلقًا. وقيل: أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك، فأجب سؤاله.
وقال الطبريّ: ساغ للعباس أن يستثني الإذخر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة تحريم القتال، دون ما ذكر من تحريم الاختلاء، فإنه من تحريم الرسول جميد باجتهاده، فساغ له أن يسأله استثناء الإذخر. وهذا مبنيّ على أن الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - كان له اجتهاد في الأحكام. وليس ما قاله بلازم، بل في تقريره - صلى اللَّه عليه وسلم - للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العامّ.
وحكى ابن بطال عن المهلّب أن الاستثناء هنا للضرورة، كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وقد بين العباس ذلك بان الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه.
وتعقّبه ابن المنيّر بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه، فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحقّقت ضرورته إليه، والإجماع على أنه مباح مطلقًا بغير قيد الضرورة انتهى.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون مراد المهلّب بأن أصل إباحته كانت للضرورة، وسببها, لا أنه يريد أنه مقيّد بها.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي أجاب به الحافظ عن المهلّب فيه نظر، إذ