قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجح عندي قول من قال: إن مكة فتحت عنوة؛ لوضوح أدلته المتقدّمة، ولا يلزم من ذلك عدم قسمتها بين الغانمين, لأن للإمام أن يمتنّ على أهل البلد بما رأى، فقد منّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على أهل مكة بأنفسهم، وأموالهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٨٧٧ - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ, قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ, أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ -وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ-: ائْذَنْ لِي, أَيُّهَا الأَمِيرُ, أُحَدِّثْكَ قَوْلاً, قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ, سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ, وَوَعَاهُ قَلْبِي, وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ, حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ, حَمِدَ اللَّهَ, وَأَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ, وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ, وَلَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ, يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ, أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا, وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا, فَإِنْ تَرَخَّصَ أَحَدٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - فِيهَا, فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ, وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ, كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ, وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»).
رجال هذا الإسناد: أَربعة:
١ - (قتيبة) بن سعيد الثقفيّ البغلانيّ، ثقة ثبت [١٠] ١/ ١.
٢ - (الليث) بن سعد الإمام الحجة الثبت المصريّ [٧] ٣١/ ٣٥.
٣ - (سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبريّ، أبو سَعْد المدنيّ الحجة الفقيه [٣] ٩٥/ ١١٧.
٤ - (أبو شُريح) الخزاعيّ الكعبيّ، اختُلف في اسمه، فقيل: خُويلد بن عمرو، وقيل: عمرو بن خويلد، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: هانئ، وقيل: كعب، والمشهور الأول، وهو خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزّى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن مازن بن عديّ بن عمرو بن ربيعة، أسلم يوم الفتح، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب. روى عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعن ابن مسعود. وعنه أبو سعيد المقبريّ، وسعيد المقبريّ، ونافع بن جبير بن مطعم، وسفيان بن أبي العوجاء. قال ابن سعد: مات بالمدينة سنة (٦٨)، وله أحاديث. وقال الواقديّ: كان من عقلاء أهل المدينة. وقال العسكريّ: توفي سنة (٦٨) وقيل: سنة (٥٨) انتهى. والأول أصحّ؛ لأن قصته مع عمرو بن سعيد المذكورة في حديث الباب كانت في خلافة يزيد بن معاوية بعد سنة ستين. روى له الجماعة، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من رباعيّات المصنف -رحمه اللَّه تعالى- وهو (١٤٩) من رباعيات