وخالفهم الحارث بن أبي أسامة، فرواه عن يزيد بن هارون، فقال:"عن عبد اللَّه بن الزبير"، بدل "عروة بن الزبير"، وهكذا أخرجه الإسماعيليّ من طريق أبي الأزهر، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه. قال الإسماعيليّ: إن كان أبو الأزهر ضبطه، فكأن يزيد بن رُومان سمعه من الأخوين.
قال الحافظ: قد تابعه محمد بن مشكان، كما أخرجه الجوزقيّ، عن الدغوليّ، عنه، عن وهب بن جرير، ويزيد قد حمله عن الأخوين، لكن رواية الجماعة أوضح، فهي أصحّ انتهى (١).
(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ: لَهَا: "يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ) تقدم في الحديث الماضي أن الأولى كون "حديثو" بصيغة جمع المذكر السالم (بِجَاهِلِيَّةِ) أي بخصلة منسوبة إلى الجاهل، وهي الكفر، نسبت إليه لأنه لا يرتكبها إلا جاهل بما تؤول إليه؛ وهو النار (لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ، فَهُدِمَ) بالبناء للمفعول (فَأَدْخَلْتُ فِيهِ) بتاء المكتلم، وبناء الفعل للفاعل (مَا أُخْرِجَ مِنْهُ) بالبناء للمفعول، أي الجزء الذي أخرجته قريش حين قصرت بهم النفقة، وسيأتي بين مقداره، إن شاء اللَّه تعالى (وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ) أي ألصقت بابه بها، بحيث لا يبقى مرتفعًا عن وجهها، كما فعلت ذلك قريش، حتى لا يتمكن أحد من دخول البيت إلا بسلّم، ويمكنهم إدخال من شاءوا، ومنع من شاءوا، ففي رواية للبخاري من طريق الأسود، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: قلت: فما شأن بابه مرتفعًا؟، قال: "فعل ذلكِ قومكِ؛ ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا". وفي رواية مسلم من طريق الحارث بن عبد اللَّه، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ "، قالت: قلت: لا، قال: "تعزّزًا أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يَدَعونه يرتقي، حتى إذا كاد أن يدخل، دفعوه، فسقط".
(وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ) حيث كان كذلك حين بناه إبراهيم - عليه السلام - (بَابًا شَرْقِيًّا) يدخل منه الناس (وَبَابًا غَرْبيًا) يخرجون منه (فَإِنَّهُمْ) أي قريشًا (قَدْ عَجَزُوا) بفتح الجيم، من باب ضرب، وبكسر الجيم، من باب تعب لغة لبعض قيس عيلان، ذكرها أبو زيد، وهذه اللغة غير معروفة عندهم، وقد روى ابن فارس بسنده إلى ابن الأعرابيّ أنه لا يقال: عَجِزَ الإنسانُ بالكسر إلا إذا عظمت عَجِيزته. قاله الفيّوميّ (عَنْ بنَائِهِ) أي عن تتميم بنائه على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، لا أنهم عجزوا عن بنائه أصلاً؛ لأَنهم قد بنوه، ولكن لم