يبلغوا به بناء إبراهيم - عليه السلام -، لعجزهم عن النفقة التي يتممون بها على قواعده (فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَام -) أَسَاسُ الحائط -بفتح الهمزة-: أصله، وجمعه أُسُسٌ، مثل قَذَال وقُذُل، ويقال فيه أيضا: أُسٌّ بضمّ الهمزة، وتشديد المهملة، وجمعه آساسٌ، مثل قُفْل وأَقْفال، وربما قيل: إِسَاس بالكسر مثل عُسٍّ وعِسَاس.
(قَالَ) الظاهر أن القائل هو يزيد بن رُومان (فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ) يقال: حمله على الأمر يحمِله، من باب ضرب، فانحمل: أغراه به. أفاده في "القاموس"(ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ) زاد وهب بن جرير في روايته: "وبنائه". يعني أن الذي أغرى عبد اللَّه بن الزبير، وقوّى عزمه على هدم البيت، وبنائه على قواعد إبراهيم - عليه السلام - هو حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فإنه لما سمع الحديث منها، وتمكن من التصرّف فيها، هدمه، وبناه.
ففي رواية مسلم من طريق عطاء، قال: وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال:"لولا أن الناس حديثٌ عهدُهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يُقَوِّي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا، يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه"، قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس، قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر، حتى أبدى أُسًّا نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين: أحدهما يُدخَل منه، والآخر يُخرَج منه، فلما قُتل ابن الزبير، كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير، قد وضع البناء على أُسٍّ نظر إليه العدول، من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك، إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر، فرده إلى بنائه، وسُدَّ الباب الذي فتحه، فنقضه، وأعاده إلى بنائه.
(قَالَ: يَزِيدُ) هو ابن رومان -بضم الراء- وهو موصول بالإسناد السابق (وَقَدْ شَهِدْتُ) بكسر الهاء: أي حضرت (ابْنَ الزُّبَيْرِ، حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ) أي بعضه، فـ"من" بمعنى "بعض"، وهو خمسة، أذرع، كما في رواية مسلم السابقة (وَقَدْ أّيْتُ أَساسَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَام -، حِجَارَةَ كَأَسْنِمَةِ الإبِلِ) جمع سنام، شبهها بها في العظم والارتفاع (مُتَلَاحِكَةً) بالنصب على الحالية من "أساس"، أو بالرفع على أنه خبر لمحذوف: أي هي متلاحكة، أي متلاصقة، شديدة الاتصال، يقال: لَحَك بالشيء، من باب مَنَعَ: إذا شَدّ التِئَامَهُ، كلاحَكَ، وتلاحَكَ. أفاده في "القاموس". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، ونعم الوكيل.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث صحيح، وقد تقدّم بيان مسائله فى