للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فنزلت. ومن طريق الكلبيّ، قال: كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم، فنزلت، فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية، وتقدّمها على رواية غيره. ويحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية، ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهريّ، واشترك الفريقان في الإسلام على التوقّف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعًا من أفعال الجاهلية، فيجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقيّ. واللَّه تعالى أعلم. انتهى "الفتح" (١).

[تنبيه]: قول عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "سنّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الطواف بين الصفا والمروة" معناه: فرضه بالسنّة، وليس مرادها نفي فرضيته، ويؤيّده قولها: "لم يُتمّ اللَّه حجْ أحدكم، ولا عمرته ما لم يطف بينهما". قاله في "الفتح" (٢).

[تنبيه آخر]: زاد الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في آخر هذا الحديث من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ: ما نصّه:

ثم أَخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن، فقال: إن هذا لعلمٌ، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة، ممن كان يُهلّ بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر اللَّه تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول اللَّه، كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن اللَّه أنزل الطواف بالبيت، فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟، فأنزل اللَّه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية [البقرة: ١٥٨]. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرّجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون، ثم تحرّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن اللَّه أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.

وقوله: "ثم أخبرت الخ" القائل هو الزهريّ. وقوله: "إن هذا العلم" كذا للأكثر: أي إن هذا هو العلم المتين، وللكشميهني: "إن هذا لعلمٌ" بفتح اللام المؤكّدة، وبالتنوين، على أنه الخبر. وقوله: "إلا من ذكرت عائشة" إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك؛ لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها.

ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن، أن المانع لهم من التطوف بينهما، أنهم


(١) - "فتح" ٤/ ٣٠٧ - ٣٠٨.
(٢) - راجع "الفتح" ٤/ ٣٠٧ - ٣٠٨.