للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

عن محمد بن عليّ الباقر -رحمه اللَّه تعالى-، أنه (قال: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رضي اللَّه تعالى عنهما - (فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، دَفَعَ) أي رجع إلى منى (مِنَ المُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنَّ تَطلُعَ الشَّمْسُ) فيه أن السنة أن يدفع الحجّاج من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، مخالفهّ للجاهلية، حيث كانوا لا يفيضون إلا بعد طلوعها.

قال النوويّ: قال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو حنيفة، والشافعيّ، وجماهير العلماء: لا يزال واقفًا فيه يدعو، ويذكر حتى يُسفر الصبح جدًّا، كما في الحديث. وقال مالك: يدفع منه قبل الإسفار. وقال الطبريّ: قال أهل العلم: وهذه سنة الإسلام أن يدفع من المزدلفة عند الإسفار قبل طلوع الشمس. قال طاوس: كان أهل الجاهليّة يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس، ويقولون: أَشرِقْ ثَبِير كيما نُغير، فأخّر اللَّه هذه، وقدّم هذه. قال الشافعيّ: يعني قدّم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، وأخّر عرفة إلى أن تغيب الشمس (١) (وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ) بدل أسامة (حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا، حَرَّكَ قَلِيلاً) أي حرّك ناقته، وأسرع السير قليلاً.

قال النوويّ: هي سنة من سنن السير في ذلك الموضع، قال أصحابنا: يسرع الماشي، ويحرّك الراكب دابته في وادي محسّر، ويكون قدر رمية بحجر انتهى (٢).

وقال الشافعيّ في "الأمّ": وتحريكه - صلى اللَّه عليه وسلم - الراحلة فيه يجوز أن يكون فعل ذلك لسعة الموضع. قال الطبريّ: وهكذا كلّ من خرج من مضيق في فضاء جرت العادة بتحريكه فيه. وقيل: يجوز أن يكون فعله لأنه مأوى الشياطين. وقيل: لأنه كان موقفًا للنصارى، فاستحب الإسراع فيه. وقال الإسنويّ: وظهر لي معنى آخر في حكمة الإسراع، وهو أنه مكان نزل فيه العذاب على أصحاب الفيل القاصدين هدم البيت، فاستحبّ فيه الإسراع؛ لما ثبت في الصحيح أمره المارّ على ديار ثمود، ونحوهم بذلك.

وقال ابن القيّم: وهذه كانت عادته - صلى اللَّه عليه وسلم - في المواضع التي نزل فيها بأس اللَّه بأعدائه، وكذلك فعل في سلوكه الحجر، وديار ثمود، تقنّع بثوبه، وأسرع السير انتهى.

وقال الشاه وليّ اللَّه الدهلويّ: إنما أوضع بالمحسّر لأنه محلّ هلاك أصحاب الفيل، فمن شأن من خاف اللَّه، وسطوته أن يستشعر الخوف في ذلك الموطن، ويهرب من


(١) - راجع "المرعاة" ٩/ ٣٧.
(٢) - "شرح مسلم" ٨/ ٤١٨.