للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغضب، ولما كان استشعاره أمرًا خفيًّا، ضُبِطَ بفعلٍ ظاهرٍ، مذكّرٍ له منبّه للنفس عليه. انتهى.

قال الزرقانيّ: وهذا الجواب، أي ما قاله الطبريّ، وابن القيّم، والإسنويّ في وجه التسمية بمحسّر، وفي حكمة الإسراع فيه مبنيّ على قولٍ الأصحُّ خلافه، وهو أن أصحاب الفيل لم يدخلوا الحرم، وانما أهلكوا قرب أوله. وقال القاري: المرجّح عند غير هؤلاء أنهم لم يدخلوه، وانما أصابهم العذاب قبيل الحرم، قرب عرفة، فلم ينج منهم إلا واحد أخبر من ورائهم انتهى (١).

(ثُمَّ سَلَكَ الطَرِيقَ الْوُسْطَى) وهي غير طريق ذهابه إلى عرفات، وذلك كان بطريق ضبّ، وهذا طريق المأزمين، وهما جبلان.

قال النوويّ: فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة، وهو غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا: يذهب إلى عرفات في طريق ضبّ، ويرجع في طريق المأزمين؛ ليخالف الطريق تفاؤلاً بغِيَر الحال، كما فعل - صلى اللَّه عليه وسلم - في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق، ورجع في طريق آخر، وحوّل رداءه في الاستسقاء انتهى (الَّتِي تُخْرِجُك) بضم التاء من الإخراج، ولفظ مسلم: "التي تَخْرُج" بفتح التاء (عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) التي هي جمرة العقبة (حَتَّى أَتَى) عطف على "سلك" أي حتى وصل (الْجَمْرَةَ، الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ) هذا يدلّ على أنه كان إذ ذاك هناك شجرة (فَرَمَى) قال الشاه وليّ اللَّه الدهلويّ: والسرّ في رمي الجمار ما ورد في نفس الحديث من أنه إنما جُعل لإقامة ذكر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وتفصيله أن أحسن أنواع توقيت الذكر، وأكملها، وأجمعها لوجوه التوقيت أن يوقّت بزمان، وبمكان، ويقام معه ما يكون حافظًا لعدده، محقّقًا لوجوده على رؤوس الأشهاد، حيث لا يخفى شيء، وذكر اللَّه نوعان: نوع يقصد به الإعلان بانقياده لدين اللَّه، والأصل فيه اختيار مجامع الناس، دون الإكثار، ومنه الرمي، ولذلك لم يؤمر بالإكثار هناك. ونوع يُقصد به انصباغ النفس بالتطلّع للجبروت، وفيه الإكثار، وأيضًا ورد في الأخبار ما يقتضي أنه سنة إبراهيم - عليه السلام - حين طرد الشيطان، ففي حكاية مثل هذا الفعل تنبيه للنفس أيّ تنبيه انتهى (٢).

وقال النوويّ: فيه أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة، فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئًا قبل رميها، ويكون ذلك قبل نزوله انتهى.


(١) - راجع "المرعاة" ٩/ ٣٧ - ٣٨.
(٢) - المصدر السابق.