للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النصب على أنها عطف على الموضع كما قال الشاعر (من الوافر):

فَلَسْنَا بالجبَالِ وَلَا الحَديدَا

وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلاة والسلام إذ قال في قوم لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء "ويل للأعقاب من النار" قالوا: فهذا يدل على أن الغسل هو الفرض لأن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب، وهذا ليس فيه حجة؛ لأنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم دون غسل، ولا شك أن من شرع في الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم كما أن من شرع في المسح ففرضه المسح عند من يخير بين الأمرين. وقد دل على هذا ما جاء في أثر أخرجه مسلم (١) أيضا أنه قال: "فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى ويل للأعقاب من النار" وهذا الأثر، وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح، فهو أدل على جوازه منه على منعه. لأن الوعيد انما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة، بل سكت عن نوعها، وذلك دليل على جوازها، وجواز المسح هو أيضا مروي عن بعض الصحابة، والتابعين ولكن من طريق المَعْنَى فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل إذ كانت القدمان لا يُنقَّى دنسهما غالبا إلا بالغسل. وينقى دنس الرأس بالمسح، وذلك أيضا غالب، والمصالح المعقولة لا يمتنع أن تكون أسبابا للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع لاحظ فيها معنيين: معنى مصلحيا، ومعنى عباديا وأعني بالمصلحي ما رجع إلى الأمور المحسوسة، وبالعبادي ما رجع إلى زكاة النفس، وكذلك اختلفوا في الكعبين هل يدخلان في المسح أو في الغسل عند من أجاز المسح؟.


(١) الصواب أن هذا متفق عليه.