للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المذكورين يوصف بأنه قاتل في سبيل اللَّه؟ (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كلِمَةُ اللَّهِ) أي دعوته إلى الإسلام. وقيل: هي قوله: "لا إله إلا اللَّه" (هِيَ) ضمير فيه تأكيد كلمة اللَّه تعالى في العلو (الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبيلِ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-) "فهو" مبتدأ، والجارّ والمجرور خبره، الجملة خبر "من"، وإنما دخلت الفاء لتضمّن "من" معنى الشرط (١).

وقال في "الفتح": المرادب "كلمة اللَّه" دعوة اللَّه إلى الإسلام. ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل اللَّه إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة اللَّه فقط، بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببًا من الأسباب المذكورة أخلّ بذلك. ويحتمل أن لا يدخل إذا حصل ضمنًا، لا أصلاً ومقصودًا، وبذلك صرّح الطبريّ، فقال: إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضرّه ما عرض له بعد ذلك، وبذلك قال الجمهور، لكن روى أبو داود، والنسائيّ من حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه - بإسناد جيّد، قال: "جاء رجلٌ، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: لا شيء له"، فأعاده ثلاثًا، كلّ ذلك يقول: لا شيء له، ثم قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: إن اللَّه لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتغي به وجهه".

ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معًا على حدّ واحد، فلا يخالف المرجّح أوّلاً، فتصير المراتب خمسًا: أن يقصد الشيئين معًا. أو يقصد أحدهما صِرْفًا. أو يقصد أحدهما، ويحصل الآخر ضِمْنًا. فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمنًا، وقد لا يحصل، ويدخل تحته مرتبتان.

وهذا ما دلّ عليه حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه -. ودونه أن يقصدهما معًا، محذورٌ أيضًا، على ما دلّ عليه حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -. والمطلوب أن يقصد الإعلاء صِرْفًا. وقد يحصل غير الإعلاء، وقد لا يحصل، ففيه مرتبتان أيضًا.

قال ابن أبي جمرة: ذهب المحقّقون إلى أنه إذا كان الباعث الأولُ قصد إعلاء كلمة اللَّه لم يضرّه ما انضاف إليه انتهى.

ويدلّ على أن دخول غير الإعلاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعثَ الأصليَّ ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد اللَّه بن حوالة - رضي اللَّه عنه - قال: بعثنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على أقدامنا لنغنم، فرجعنا، ولم نغنم شيئًا، فقال: اللَّهمّ لا تكلهم إليّ … " الحديث.

وفي إجابة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بما ذُكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كلمه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأنه


(١) - راجع "عمدة القاري" ٢/ ١٦٧.