(قَالَ سَلَمَةُ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (فَقَفَل) بقاف، فاء: أي رجع (رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ) قاصدًا المدينة (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأذَنُ لِي، أَنْ أَرْتَجِزَ بِكَ) أي أُنشد الرجز عندك؛ لتنشيط الجمال ونحوه، والرجز نوع من البحور الشعريّة الستة عشر المعروفة في فن "العروض والقافية"، وأجزاؤه:"مستفعلن" ستّ مرّات (فَأَذِنَ لَهُ) فيه التفات؛ إذ الظاهر أن يقول: فأذن لي (رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) أي سمح له في أن يرتجز عنده (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب - رضي الله عنه -: اعْلَمْ مَا تَقُولُ) أي تثبّتْ مما تقوله عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإنه مما ينبغي التثبّت له (فَقُلْتُ) وفي نسخة: "قلت":
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: (صَدَقْتَ) أي فيما أنشدته من البيت، فإنه تضمّن التبرّي من الحول والقوة، وتفويض الأمور إلى اللَّه تعالى.
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَة عَلَينَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَينَا وَالْمُشرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَينَا فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ هَذَا؟) أي من نظم هذا، أنت، أم غيرك؟ (قُلْتُ: أَخِي) أي نظمه أخي، وتقدّم الجمع بينه، وبين رواية: "عمّي" (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ) دعاله النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بأن -يرحمه اللَّه تعالى-، مكافأة على إحسانه بهذا الرجز المتضمّن للمعاني السامية (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللَّهِ إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ) أي ليخافون أن يترحّموا عليه، ويدعوا له بالرحمة من اللَّه تعالى، أو هابوا أن يصلّوا عليه صلاة الجنازة يوم مات، فالمضارع بمعنى الماضي، وعلى الثاني ففيه نوع تأنيس؛ لقول من يقول: يُصلّى على الشهيد. أفاده السنديّ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح أن الصلاة على الشهيد جائزة؛ كما تقدّم تحقيقه في بابه من "كتاب الجنائز". واللَّه تعالى أعلم.
(يَقُولُونَ) أي في بيان سبب ذلك (رَجُلٌ مَاتَ بسِلَاحِهِ) أي فلا يستحقّ الصلاة عليه؛ لكونه قاتل نفسه بزعمهم (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -:) مبيّنًا خطأهم في رأيهم هذا (مَاتَ جَاهِدًا) أي جادًّا مبالغًا في سبيل البرّ (مُجَاهِدًا) للكفّار.
ولفظ مسلم:"إنه لجاهد مجاهد". قال النوويّ: هكذا رواه الجمهور من المتقدّمين، والمتأخرين "لجاهد" -بكسر الهاء، وتنوين الدال-. "مجاهد" -بضم الميم، وتنوين الدال أيضًا- وفسّروا الجاهد بالجاد في علمه وعمله، أي إنه لجادّ في طاعة اللَّه. والمجاهد هو المجاهد في سبيل اللَّه، وهو الغازي.