للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليهم، ولا يُستغرب ذلك ممن لم يدخل الجنّة، فإن ذلك محلّ اختصام، وتنازع، وتنافر، فإنه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} الآية [عبس: ٣٤ - ٣٦]، كما وصفه اللَّه تعالى بذلك، وأما قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} الآية [الحجر:٤٧]، فيحمل على ما بعد دخول الجنة، كما ثبت وصفهم بذلك في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المتفق عليه، وفيه ..... "لا اختلاف بينهم، ولا تباغُضَ، قلوبهم قلب واحد، يسبحون اللَّه بكرة وعشيا". متّفق عليه.

والحاصل أن كون قولهم هذا من باب التنافس والتحاسد هو الظاهر، وهو محمول على ما قبل دخولهم الجتة، كما يرشد إليه آخر كلام السنديّ. واللَّه تعالى أعلم. (مِنَ الطَّاعُونِ) قال الفيّوميّ: الطاعون الموت من الوباء، والجمع طواعين، وطُعِن الإنسانُ بالبناء للمفعول: أصابه الطاعون، فهو مطعون انتهى. وفي "القاموس": "الطاعون": الوباء، جمعه طواعين انتهى. وقال في مادّة الوباء: الوباءُ محرّكةً: الطاعونُ، أو كلّ مرض عام، جمعه أوباءٌ انتهى.

وقال محمد مرتضى في "شرحه التّاج": قال ابن النفيس الوباء فساد يَعْرِض لجوهر الهواء لأسباب سمايّة، أو أرضيّة، كالماء الآسن، والجيف الكثيرة كما في الملاحم. ونقل شيخنا عن الحكيم داود الأنطاكيّ أن الوباء حقيقةً تغيّر الهواء بالعوارض العلويّة، كاجتماع كواكب ذات أشعّة، والسفليّة كالملاحم، وانفتاح القبور، وصعود الأبخرة الفاسدة، وأسبابُهُ مع ما ذُكِر تغيّرُ فصول الزمان، والعناصر، وانقلاب الكائنات، وذكروا له علامات منها الْحُمّى، والْجُدَريّ، والنَّزلات، والْحِكَّة، والأَوْرَام، وغير ذلك، ثم قال: وعبارة "النزهة" تقتضي أن الطاعون نوع من أنواع الوباء وفرد من أفراده، وعليه الأطبّاء، والذي عليه المحقّقون من الفقهاء والمحدّثين أنهما متباينان، فالوباء، وخم بغير الهواء، فتكثر بسببه الأمراض في الناس، والطاعون هو الضرب الذي يُصيب الإنس من الجنّ، وأيّدوه بما في الحديث: "إنه وخز أعدائكم من الجنّ" انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحديث الذي أشار إليه هو ما أخرجه أحمد في "مسنده"، فقال:

- حدثنا عبد الرحمن (٢)، حدثنا سفيان (٣)، عن زياد بن عِلاقة، عن رجل، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فَنَاء أمتي بالطعن، والطاعون"، فقيل: يا رسول


(١) - "تاج العروس" ١/ ١٣٠.
(٢) - ابن مهديّ.
(٣) - هو الثوريّ،