للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا قولٌ أبرزته الغيرة والدّلال، وهو من نوع قولها: "ما أهجُرُ إلا اسمك". متّفق عليه. و"لا أحمد إلا اللَّه". متفق عليه. وإلا فإضافة الهوى إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مباعدٌ لتعظيمه، وتوقيره الذي أمرنا اللَّه تعالى به، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - منزّهٌ عن الهوى بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣]، وهو ممن نهى النفس عن الهوى، ولو جعلت مكان "هواك" "مرضاتك" لكان أشبه، وأولى، لكن أبعد هذا في حقّها عن نوع الذنوب أن ما يَفعل المحبوب محبوب انتهى (١).

وقال السنديّ: قولها: "واللَّه ما أرى ربك الخ" كناية عن ترك التنفير والتقببح لما رأت من مسارعة اللَّه تعالى أنه يسارع في مرضاة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أي كنت أنفّر النساء عن ذلك، فلما رأيت اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يسارع في مرضاته - صلى اللَّه عليه وسلم - تركت ذلك؛ لما فيه من الإخلال بمرضاته - صلى اللَّه عليه وسلم -.

قال: وقد يقال: المذموم هو الهوى الخالي عن الهدى؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} الآية [القصص: ٥٠] (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن التأويل الأخير هو الصواب؛ لأن الهوى في أصل اللغة هو محبة الشيء، يقال: هَوِيتُ الشيءَ، من باب تعب: إذا أحببته، وعَلِقتَ به، فهذا أصل معناه لغة (٣)، وإن كان يُطلق على ميل النفس، وانحرافها المذموم، فأرادت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هنا محبته - صلى اللَّه عليه وسلم - لأمر، فهذا عندي أولى مما ذكروه من التأويلات؛ مراعاة لتعظيم جانب عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متّفق عليه.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا-٣٢٠٠ - وفي "الكبرى" ١/ ٥٣٠٥. وأخرجه (خ) في "التفسير" ٤٧٨٨ و"النكاح" ٥١١٣ (م) في "الرضاع" ١٤٦٤ (ق) في "النكاح" ٢٠٠٠ (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" ٢٤٥٠٥ و ٢٧٢٣ و ٢٥٧١٩. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "المفهم" ٤/ ٢١١.
(٢) - راجع شرح السنديّ ٦/ ٥٤.
(٣) - راجع "المصباح المنير".