ويُجمع بينها وبين ما تقدّم أنه قال ذلك في آخر الحال، فكأنه صمت أولاً لتفهم أنه لم يُرِدْها، فلما أعادت الطلب أفصح لها بالواقع.
ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائيّ:"جاءت امرأة إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فعرضت نفسها عليه، فقال لها: اجلسي، فجلست ساعة، ثم قامت، فقال: اجلسي بارك اللَّه فيك، أما نحن فلا حاجة لنا فيك".
فيؤخذ منه وفور أدب المرأة مع شدّة رغبتها؛ لأنها لم تبالغ في الإلحاح في الطلب، وفهمت من السكوت عدم الرغبة، لكنها لما لم تيأس من الردّ جلست تنتظر الفرج، وسكوته - صلى اللَّه عليه وسلم - إما حياء من مواجهتها بالردّ، وكان شديد الحياء جدًّا، فقد ثبت في صفته - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وإما انتظارًا للوحي، وإما تفكرًا في جواب يناسب المقام انتهى (١).
(فَقَامَ رَجلٌ) زاد في رواية فضيل بن سلمان عند البخاريّ: "من أصحابه". قال الحافظ: لم أقف على اسمه، لكن وقع في رواية معمر، والثوريّ، عند الطبرانيّ:"فقام رجلٌ أحسبه من الأنصار". وفي رواية زائدة عنده:"فقال رجلٌ من الأنصار". ووقع في حديث ابن مسعود:"فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: من يَنكِح هذه؟ فقام رجل"(فَقَالَ: زَوَّجْنِيهَا) وفي رواية مالك: "زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة"، ونحوه ليعقوب، وابن أبي حازم، ومعمر، والثوريّ، وزائدة. ولا يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد:"لا حاجة لي"؛ لجواز أن تتجدّد الرغبة فيها بعد أن لم تكن. قاله في "الفتح".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ويحتمل أن يكون ذلك الرجل لم يسمع قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا حاجة لي". واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (اذهَب) وفي رواية: "قال: هل عندك شيء؟ "، قال: لا"، وفي رواية: قال: ما أجد شيئًا"، وفي رواية: (هل عند شيء تُصدقها؟ "، وفي رواية ابن مسعود: "ألك مالٌ؟ ".
زاد في رواية هشام بن سعد: "قال: فلا بدّ لها من شيء"، وفي رواية الثوريّ عند الإسماعيليّ: "عندك شيء؟، قال: لا، قال: إنه لا يصلح". ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائيّ بعد قوله: لا حاجة لي: "ولكن تملكيني أمرك، قالت: نعم، فنظر في وجوه القوم، فدعا رجلاً، فقال: إني أريد أن زوّجكِ هذا، إن رضيتِ، قالت: ما رضيت لي، فقد رضيتُ". وهذا إن كانت القصة متّحدةً يحتمل أن يكون وقع نظره في وجوه القوم بعد أن سأله الرجل أن يزوّجها له، فاسترضاها أوّلاً، ثم تكلّم معه في