رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - العزوبة، فقال: ألا أختصى؟، قال:"ليس منّا من خُصي، أو اختصى"(١).
[فإن قيل]: لم لم يُؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته، كما أُمر غيره؟.
[أجيب]: بأن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام؛ لأنه كان من أهل الصفّة.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوّج … " الحديث، لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود، وكانوا في حال الغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوّي على القتال، فأدّاه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان، فمنعه - صلى اللَّه عليه وسلم - من ذلك، وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيها لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيئًا، ومن لم يجد شيئًا أصلاً لا ثوبًا، ولا غيره، فكيف يستمتع، والتي يستمتع بها لا بدّ لها من شيء. انتهى.
(قَالَ أَبو عَبْد الرَّحْمَنِ) النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى- (الْأوْزَاعِيُّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الزُّهْرِيّ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَدْ رَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيّ) يعني أن هذا الحديث منقطع من طريق الأوزاعيّ؛ لأنه لم يسمعه من الزهريّ، ولكنه صحيح؛ لأنه قد رواه يونس بن يزيد الأيليّ، عن الزهريّ، وروايته هي التي علّقها البخاريّ في "صحيحه"، كما سيأتي قريبًا.
فقوله:"قد رواه يونس الخ" جمدة تعليليّة لقوله: "صحيح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، كما أشار إليه المصنف في كلامه المذكور آنفًا.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
(١) - أخرجه الطبرانيّ في "المعجم الكبير" ٣/ ١١٧/١ عن معلى الجعفيّ، عن ليث، عن مجاهد، وعطاء، عن ابن عباس. وفيه المعلى المذكور، وهو ابن هلال الحضرميّ، ويقال: الجعفيّ الطحان الكوفيّ، وهو كذاب اتفق النقاد على تكذيبه، قاله في "التقريب"، فالحديث موضوع، لتفرّد هذا الكذاب به. راجع "الضعيفة" للشيخ الألباني ٣/ ٤٧٩٤٨٠ رقم ١٣١٤، فقد أجاد الكلام فيه، جزاه اللَّه خيرًا. والعجب من الحافظ حيث سكت عنه هنا كأنه حديث ثابت. واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.