للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزوج، وعلى الثاني على الزوج صونه، وحفظه، وعدم تمكينها منه، فلم يتعيّن الأمر بتطليقها. وقيل: المراد أنها تتلذّذ بمن يلمسها، فلا تردّ يده، ولم يرد الفاحشة العظمى، وإلا لكان بذلك قاذفًا لها. وقيل: الأقرب أن الزوج علم منها أن أحدًا لو أراد منها السوء لما كانت هي تردّه، لا أنه تحقّق وقوع ذلك منها، بل ظهر له ذلك بقرائن، فأرشده الشارع إلى مفارقتها، احتياطًا، فلما علم أنه لا يقدر على فراقها؛ لمحبّته لها، وأنه لا يصبر على ذلك رخّص له في إثباتها؛ لأن محبّته لها محقّقة، ووقوع الفاحشة منها متوهّم.

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (طَلَّقْهَا) وفي رواية عمارة المذكورة: "غرّبها، إن شئت"، وهو بمعنى طلّق (قَالَ) الرجل (لَا أَصْبِرُ عَنْهَا) وفي رواية عمارة: "إني أخاف أن تتبعها نفسى" (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (اسْتَمتِعْ بِهَا) أي كن معها قدر ما تقضي حاجتك. وقال ابن الأثير -رحمه اللَّه تعالى- قوله: "استمتع بها": أي لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها، ومن وطرها، وخاف النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، إن هو أوجب عليه طلاقها أن تَتُوق نفسه إليها، فيقع في الحرام. وقيل: معنى: "لا تردّ يد لامس" أنها تُعطي من ماله من يطلب منها، وهذا أشبه. قال أحمد: لم يكن ليأمره بإمساكها، وهي تفجر. قال عليّ، وابن مسعود: "إذا جاءكم الحديث عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فظنّوا به الذي هو أهدى، وأتقى. انتهى (١).

وقال الحافظ ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى-: وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعّف له، كما قال النسائيّ، ومنكر، كما قال الإمام أحمد: هو حديث منكر. وقال ابن قُتيبة: إنما أراد أنها سخيّة، لا تمنع سائلاً، وحكاه النسائيّ في "سننه" (٢) عن بعضهم، فقال: وقيل: سخيّة، تُعطي.

وردّ هذا بأنه لو كان المرادَ لقال: لا تردّ يد ملتمس.

وقيل: المراد أن سجيّتها لا تردّ يد لامس، لا أن المراد أن هذا واقعٌ منها، وأنها

تفعل الفاحشة، فإن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، لا يأذن في مصاحبة مَنْ هذه صفتها، فإن زوجها والحالة هذه يكون ديّوثًا، وقد ثبت الوعيد على ذلك، ولكن لما كانت سجيّتها هكذا ليس فيها ممانعةٌ، ولا مخالفةٌ لمن أرادها، لو خلا بها أحدٌ، أمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بفراقها، فلما ذكر أنه يُحبّها أباح له البقاء معها؛ لأن محبّته لها محققة، ووقوع الفاحشة منها متوهّمٌ، فلا يُصار إلى الضرر العاجل لتوهّم الآجل. واللَّه سبحانه أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن كثير (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا المعنى الأخير هذا الصواب عندي.


(١) - "النهاية" ٤/ ٢٧٠.
(٢) - لم أر هذا الكلام للمصنّف.
(٣) - "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٧٤ - ٣٧٥.