للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كالقولين. وقال بعضهم؛ يُفسخ قبله، لا بعده.

وحجة الجمهور أن المنهيّ عنه الخِطبة، والخطبة ليست شرطًا في صحّة النكاح، فلا يُفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة.

وحكى الطبريّ عن أن بعض العلماء قال: إن هذا النهي منسوخٌ بقصّة فاطمة بنت قيس. ثم ردّه، وغلّطه بأنها جاءت مستشيرةً، فأُشير عليها بما هو الأولى، ولم يكن هناك خِطبة على خطبة، كما تقدّم. ثم إن دعوى النسخ في مثل هذا غلطٌ؛ لأن الشارع أشار إلى علّة النهي في حديث عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه - بالأخوة، وهي صفة لازمة، وعلّة مطلوبةٌ للدوام، فلا يصحّ أن يلحقها نسخٌ. واللَّه تعالى أعلم (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي قول من قال ببطلان النكاح الذي عقد بالخطبة على الخطبة؛ لصريح النهى الوارد في الحديث، والنهي للتحريم، وهو أيضًا يقتضي الفساد، وليس هناك دليلٌ يدلّ على صرف النهي عن التحريم، والفساد إلى خلافهما، فوجب القول بالبطلان.

وهذا القول هو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى-، حيث قال: إذا خطب الرجل امرأةً، وركن إليه من إليه نكاحها، كالأب، فإنه لا يحلّ لغيره أن يخطبها. قال: ولكن العقد الثاني هل يقع صحيحًا، أو باطلاً؟ فيه قولان للعلماء:

[أحدهما]: وهو أحد القولين في مذهب مالك، وأحمد أن عقد الثاني باطلٌ، فتنزع منه، وتردّ إلى الأوّل.

[الثاني]: أن النكاح صحيح، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعيّ، فيعاقب من فعل المحرّم، ويردّ إلى الأول جميع ما أُخذ منه، والقول الأول أشبه بما في الكتاب والسنّة انتهى كلام شيخ الإسلام بالاختصار (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): أنه استُدلّ بحديث الباب على أن الخاطب الأول إذا أذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم، ولكن هل يختصّ ذلك بالمأذون له، أو يتعدّى لغيره؟ لأن مجرّد الإذن الصادر من الخاطب الأول دالّ على إعراضه عن تزويج تلك المرأة، وبإعراضه يجوز لغيره أن يخطبها، الظاهر الثاني، فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص، ولغير المأذون له بالإلحاق. ويؤيّده قوله: "أو يترك". وصرّح الرويانيّ من الشافعيّة بأن محلّ التحريم إذا كانت الخِطبة من الأول جائزة، فإن كانت ممنوعة


(١) - "فتح" ١٠/ ٢٥٠ - ٢٥١.
(٢) - "مجموع الفتاوى" ١٠.