كخطبة المعتدّة لم يضرّ الثاني بعد انقضاء العدّة أن يخطُبها، وهو واضح؛ لأن الأول لم يثبت له بذلك حقّ. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): أنه استُدلّ بقوله: "على خطبة أخيه" أن محلّ التحريم إذا كان الخاطب مسلمًا، فلو خطب الذميّ ذميّة، فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقًا، وهو قول الأوزاعيّ، ووافقه من الشافعيّة ابن المنذر، وابن جويرية، والخطّابيّ، ويؤيّده قوله في أول حديث عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه - عند مسلم:"المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خِطبته حتى يَذَر". وقال الخطّابيّ: قطع اللَّه الأُخَوَّة بين الكافر والمسلم، فيختص النهي بالمسلم. وقال ابن المنذر: الأصل في هذا الإباحة حتى يرِدَ المنع، وقد ورد المنع مقيّدًا بالمسلم، فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة. وذهب الجمهور إلى إلحاق الذميّ بالمسلم في ذلك، وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب، فلا مفهوم له، وهو كقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ} الآية، وكقوله:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} الآية، ونحو ذلك.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله الأوزاعيّ، ومن معه من أنّ هذا النهي خاصّ بالمسلم، دون الذميّ؛ عملاً بتقييده بالأخوّة، وبالإسلام هو الراجح. واللَّه تعالى أعلم.
وبناه بعضهم على أن هذا المنهيّ عنه، هل هو من حقوق العقد، واحترامه، أو من حقوق المتعاقدين؟ فعلى الأول فالراجح ما قال الخطّابّي، وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره.
وقريبٌ من هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر، فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له، ومن جعلها من حقوق المالك منع.
وقريبٌ من هذا البحث ما نُقل عن ابن القاسم، صاحب مالك أن الخاطب الأول إذا كان فاسقًا جاز للعفيف أن يخطُب على خِطبته. ورجحه ابن العربيّ منهم، وهو متّجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفةً، فيكون الفاسق غير كفء لها، فتكون خطبته كلا خِطْبة. ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول. وقد أطلق بعضهم الإجماع على خلاف هذا القول.
ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الأول أهلاً في العادة لخِطبة تلك المرأة، كما لو خطب سُوقيّ بنت ملك، وهذا يرجع إلى التكافؤ. قاله في "الفتح".