للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كافةً: المراد الثيّب، واستدلّوا بأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى بالثيّب، وبأنها جعلت في مقابلة البكر، وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيّب. وقال الكوفيون، وزفر: الأيّم هنا كلّ امرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيّبًا، كما هو مقتضاه في اللغة قالوا: فكلّ امرأة بلغت فهي أحقّ بنفسها من وليّها، وعقدها على نفسها النكاح صحيح. وبه قال الشعبيّ، والزهريّ، قالوا: وليس الوليّ من أركان صحّة النكاح، بل من تمامه. وقال الأوزاعيّ، وأبو يوسف، ومحمد: تتوقّف صحّة النكاح على إجازة الوليّ.

قال القاضي: واختلفوا أيضًا في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أحقّ من وليّها"، هل هي أحقّ بالإذن فقط، أو بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور بالإذن فقط، وعند هؤلاء بهما جميعًا (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحقّ ما قاله الجمهور من أن الوليّ شرط في صحّة النكاح، وليس للمرأة إلا مجرّد الإذن، إما صريحًا، وهو للثيّب، أو سكوتًا، وهو للبكر للحديث الصحيح: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل". واللَّه تعالى أعلم.

(أَحَقُّ بنَفْسِها مِنْ وَلِيِّهَا) أي تنطق بنفسها، ولا ينطق الوليّ عنها.

وقال النوويّ: يحتمل من حيث المعنى أن المراد أحقّ من وليّها في كلّ شيء، من عقد، وغيره، كما قاله أبو حنيفة، وداود. ويحتمل أنها أحقّ بالرضا، أي لا تُزوّج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر، ولكن لَمّا صحّ قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بوليّ" مع غيره من الأحاديث الدالّة على اشتراط الوليّ تعليق الاحتمال الثاني.

[واعلم]: أن لفظة "أحقّ" هنا للمشاركة، معناه أن لها في نفسها في النكاح حقًّا، ولويها حقًا، وحقها أوكد من حقّه، فإنه لو أراد تزويجها كفؤًا، وامتنعت لم تُجبر، ولو أرادت أن تتزوّج كفؤًا، فامتنع الوليّ أُجبر، فإن أصرّ زوّجها القاضي، فدلّ على تأكيد حقّها، ورجحانه انتهى (٢).

(وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا) ببناء الفعل للمفعول: أي يطلب إذنها في تزويجها. وفي الروايات الآتية بلفظ: "تُستأمر".

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هكذا وقع في حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "والبكر تُستأمر"، وفي حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "الأيّم تُستأمر، والبكر تُستأذن"، وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس لأن "تُستأمر" معناه: يُستدعَى أمرها، وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يُسمى أمرًا، وهذا ممكن من الثيّب؛ لأنها لا


(١) راجع "شرح مسلم للنوويّ" ٩/ ٢٠٨.
(٢) "شرح مسلم" ٩/ ٢٠٨.