للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَلحقها من الخجل، والانقباض ما يَلحق البكر، فلا يُكتفى منها إلا بنطق يدلّ على مرادها صريحًا. وأما "تُستأذن" فإنه يقتضي أن يظهر منها ما يدلّ على رضاها، وإذنها بأيّ وجه كان، من سكوت، أو غيره، ولا تُكلّف النطقَ، ولذلك لما قال في حديث ابن عباسِ "لا تُنكح البكر حتى تُستأذن" أشكل عليهم إذنها، فسألوا، فأجيبوا بقوله (وَإذْنَهُا صُمَاتهُا) بضم الصاد المهملة، ويقال: فيه الصّمت -بالفتح- والصّموت -بالضمّ-: ومعناها السكوت، ولشيخنا عبد الباسط المناسيّ -رحمه اللَّه تعالى-:

الصَّمْتُ وَالصُّمَاتُ والصُّمُوتُ … مَصَادِرٌ يُعْنَى بِهَا السُّكُوتُ

قال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: والأصل وصُماتها كإذنها، فشُبِّهَ الصُّماتُ بالإذن شرعًا، ثم جُعِل إذنًا مجازًا، ثم قُدّم مبالغةً، والمعنى: هو كاف في الإذن، وهذا مثل قوله: "ذكاة الجنين ذكاة أمّة"، والأصل ذكاة أمّ الجنين ذكاته، وإنما قلنا: الأصل: صماتها كإذنها؛ لأنه لا يُخبرُ عن شيءٍ إلا بما يصحّ أن يكون وصفًا له حقيقةً، أو مجازًا، فيصحّ أن يقال: الفرس يطير، ولا يصحّ أن يقال: الحجر يطير؛ لأنه لا يوصف بذلك، فصُماتها كإذنها صحيح، ولا يصحّ أن يكون "إذنها" مبتدءًا؛ لأن الإذن لا يصحّ أن يوصف بالسكوت؛ لأنه يكون نفيًا له، فيبقى المعنى: إذنها مثل سكوتها، وقبل الشرع كان سكوتها غير كاف، فكذلك إذنها، فينعكس المعنى انتهى (١).

قال ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: يستحبّ إعلام البكر أن سكوتها إذنٌ، لكن لو قالت بعد العقد: ما علمت أن صمتي إذنٌ لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور، وأبطله بعض المالكيّة، وقال ابن شعبان منهم: يقال لها ذلك ثلاثًا إن رضيت فاسكتي، وإن كرهت فانطلقي. وقال بعضهم: يُطالُ المقام عندها لئلا تخجل، فيمنعها ذلك من المسارعة. واختلفوا فيما إذا لم تتكلّم، بل ظهرت منها قرينة السخط، أو الرضا بالتبسّم مثلًا، أو البكاء، فعند المالكيّة إن نفرت، أو بكت، أو قامت، أو ظهر منها ما يدلّ على الكراهة لم تُزوَّج. وعند الشافعيّة: لا أثر لشيء من ذلك في المنع إلا إن قَرَنت مع البكاء الصياح ونحوه، وفرّق بعضهم بين الدمع، فإن كان حارًّا دلّ على المنع، وإن كان باردًا دلّ على الرضا. قاله في "الفتح" (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع "المصباح المنير" في مادة صمت.
(٢) "فتح" ١٠/ ٢٤٢.