للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في نفسها البتّة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى، دفعًا لهذا التوهّم. ومن المعلوم أنه لا يلزم من كون الثيّب أحقّ بنفسها من وليّها أن لا يكون للبكر حقّ في نفسها البتّة.

وقد اختلف الفقهاء في مناط الإجبار على ستّة أقوال:

(أحدها): أنه يُجبر بالبكارة، وهو قول الشافعيّ، ومالك، وأحمد في رواية.

(الثاني): أن يُجبر بالصغر، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في الرواية الثانية. (الثالث): أنه يُجبر بهما معًا، وهو الرواية الثالثة عن أحمد. (الرابع): أنه يجبر بأيهما وُجد، وهو الرواية الرابعة عنه. (الخامس): أنه يجبر بالإيلاد، فتُجبر الثيّب البالغ، حكاه القاضي إسماعيل عن الحسن البصريّ، قال: وهو خلاف الإجماع، قال: وله وجهٌ حسنٌ من الفقه. قال ابن القيّم: فيا ليت شعري ما هذا الوجه الأسود المظلم؟. (السادس): أنه يجبر من يكون في عياله. ولا يخفى عليك الراجح من هذه المذاهب انتهى كلام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لا يخفى أن الأرجح القول بأن الإجبار بهما معًا؛ فلا تجُبر البكر البالغة، ولا الثيّب الصغير؛ عملًا بمقتضى الحديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): قال في "الفتح": ما حاصله: استُدلّ بحديث الباب على أن الصغيرة الثيّب لا إجبار عليها؛ لعموم كونها أحقّ بنفسها من وليّها، وعلى أن من زالت بكارتها بوطء، ولو كان زنًا لا إجبار عليها، لأب ولا غيره؛ لعموم قوله: "الثيّب أحقّ بنفسها".

وقال أبو حنيفة: هي كالبكر، وخالفه صاحباه، واحتُجّ له بأن علّة الاكتفاء بسكوت البكر هو الحياء، وهو باق في هذه؛ لأن المسألة مفروضة فيمن زالت بكارتها بوطء، لا فيمن اتخذت الزنا ديدنًا وعادة.

وأجيب بأن الحديث نصّ على أن الحياء يتعلّق بالبكر، وقابلها بالثيّب، فدلّ على أن حكمهما مختلف، وهذه ثيّبٌ لغةً وشرعًا، بدليل أنه لو أوصى بعتق كلّ ثيّب في ملكه دخلت إجماعًا، وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوعٌ؛ لأنها تستحيي من ذكر وقوع الفجور منها، وأما ثبوت الحياء من أصل النكاح فليست فيه كالبكر التي لم تجُرّبه قط (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الأولون هو الأرجح؛ لعموم الحديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "زاد المعاد في هدي خير العباد" ٥/ ٩٥ - ٩٩.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٢٤٣.