(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في حكم النكاح بلا تسمية صداق:
قال العلامة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: إن النكاح يصحّ من غير تسمية صداق، في قول عامّة أهل العلم، وقد دلّ على هذا قول اللَّه تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} الآية [البقرة: ٢٣٦] ثم أورد حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب، قال: ولأنّ القصد من النكاح الوُصلة، والاستمتاع، دون الصداق، فصحّ من غير ذكره كالنفقة، وسواء تركا ذكر المهر، أو شرطا نفيه، مثل أن يقول: زوّجتك بغير مهر، فيقبله كذلك. ولو قال: زوجتك بغير مهر في الحال، ولا في الثاني صحّ أيضًا. وقال بعض الشافعيّة: لا يصحّ في هذه الصورة؛ لأنها تكون كالموهوبة، وليس بصحيح؛ لأنه قد صحّ فيما إذا قال: زوّجتك بغير مهر، فيصحّ ههنا؛ لأن معناهما واحدٌ، وما صحّ في إحدى الصورتين المتساويتين صحّ في الأخرى، وليست كالموهوبة؛ لأن الشرط يَفْسُدُ، ويجب المهر.
إذا ثبت هذا، فإن المزوّجة بغير مهر تُسمّى مفوّضة -بكسر الواو وفتحها- فمن كسر أضاف الفعل إليها على أنها فاعلة، مثلُ مُقوِّمة، ومن فتح أضافه إلى وليّها، ومعنى التفويض الإهمال، كأنها أهملت أمر المهر، حيث لم تسمّه، ومنه قول الشاعر [من البسيط]:
والتفويض على ضربين: تفويض بُضْعٍ، وتفويض مَهْرٍ، فأما تفويض البضع، فهو الذي ذكره الخِرَقيّ، وفسّرناه، وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض. وأما تفويض المهر فهو أن يجعلا الصداق إلى رأي أحدهما، أو رأي أجنبيّ، فيقول زوّجتك على ما شئتَ، أو على حكمك، أو على حكمي، أو حكمها، أو حكم أجنبيّ، ونحوه. فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام الخِرَقيّ؛ لأنها لم تُزوّج نفسها إلا بصداق، لكنه مجهولٌ، فسقط لجهالته، ووجب مهر المثل.
والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليّها في تزويجها بغير مهر، أو بتفويض قدره، أو يزوّجها أبوها كذلك، فأما إن زوّجها غير أبيها، ولم يذكر مهرًا بغير إذنها في ذلك، فإنه يجب مهر المثل. وقال الشافعيّ: لا يكون التفويض إلا في الصورة الأولى.
قال: فإذا طلّقت المفوّضة البُضْعِ قبل الدخول، فليس لها إلا المتعة، نصّ عليه