للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ينشدنك اللَّه العدل في بنت أبي بكر … " الحديث.

(فاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ) أي طلبت الإذن بالدخول عليه - صلى اللَّه عليه وسلم - (وَهُوَ مُضْطَجِعٌ) اسم فاعل من الاضطجاع، افتعال من الضَّجْعِ، يقال: ضَجَعتُ ضَجْعًا، من باب نفع، وضُجُوعًا: وَضَعْتُ جنبي بالأرض، وأضْجعتُ بالألف لغةٌ. قاله الفيّوميّ. والجملة في محلّ نصب على الحال، أي والحال أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - واضع جنبه على الأرض "مَعِي فِي مِرْطِي) بكسر الميم، وسكون الراء: كساء من صوفٍ، أو خَزٍّ، يُؤتزرُ به، وتَتَلَفَّع المرأة به، والجمع مُرُوط، مثلُ حِمْلٍ وحُمُول. قاله الفيّوميّ.

قال أبو العباس القرطبيّ: وفي دخول فاطمة، وزينب على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو مع عائشة في مِرْطها، دليلٌ على جواز مثل ذلك، إذ ليس فيه كشف عورة، ولا ما يُستقبح على من فَعَل ذلك مع خاصّته، وأهله انتهى (١).

قال الحافظ وليّ الدين: قد تبيّن برواية مسلم، والنسائيّ من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن عائشة أن كلًّا منهما لم يدخل إلا بعد استئذان، فلو كره - صلى اللَّه عليه وسلم - دخولهما على تلك الحالة لحجبهما، أو تغير عن حالته التي كان عليها.

[فإن قلت]: فقد روى النسائيّ (٢)، وابن ماجه من رواية البَهِيّ، عن عروة، عن عائشة، قالت: ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن، وهي غضبى، ثم قالت: يا رسول اللَّه أحسبك، إذا قَلَبَتْ بُنَيّةُ أبي بكر ذُرَيْعَتَيها، ثم أقبلت عليّ، فأعرضت عنها، حتى قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "دونك فانتصري، فأقبلت عليها، حتى رأيتها، وقد يبس ريقها في فيها، ما ترد عليّ شيئا، فرأيت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يتهلل وجهه.

[قلت]: الظاهر أن هذه واقعة أخرى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحديث المذكور حديث صحيح، وهذا الذي قاله وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-، من حمل هذه القصّة على أنها واقعة أخرى حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم.

(فَأَذِنَ لَهَا، فَقالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ، يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحافَةَ) قال النوويّ: معناه يسألنك التسوية في محبّة القلب، وكان - صلى اللَّه عليه وسلم - يُسوّي بينهنّ في الأفعال، والمبيت، ونحوه، وأما محبّة القلب فكان يحب عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أكثر منهنّ، وأجمع المسلمون على أن محبّتهنّ لا تكليف فيها. ولا يلزمه التسوية فيها؛ لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا اللَّه سبحانه وتعالى، وإنما أمر بالعدل في الأفعال.


(١) "المفهم" ٦/ ٣٢٤.
(٢) أي في "الكبرى" ٥/ ٢٩٠ رقم ٨٩١٤ و ٨٩١٥ و٨٩١٦.