والكسب به، فتتصدّق بذلك، وتَصِل به ذوي رحمها، وهي التي كانت أطولهنّ يدًا بالعمل والصدقة، وهي التي قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عنها:"أسرعكنّ لحاقًا بي أطولكنّ يدًا"، فقد أخرج الشيخان، والمصنّف (١) واللفظ للبخاريّ، عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، أن بعض أزواج النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، قلن للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: أينا أسرع بك لحوقا؟، قال:"أطولكن يدا"، فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعدُ أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة.
وفيه فضيلة ظاهرةٌ لعائشة وزينب - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أما زينب، فلما اتّصفت به من هذه الخصال الحميدة، وأما عائشة، فلأنه لم يمنعها ما كان بينهما من وصفها بما تعرفه منها (مَا عَدَا) هي من صيغ الاستثناء، وهي مع "ما" فعل ينصب ما بعده، وبدونها حرف يَخفِضُ بعده على المشهور في الحالتين، ومثلها "خلا"، و"حاشا" لكنها لا تصحب "ما"، كما أشار إلى ذلك ابن مالك في "الخلاصة" حيث قال:
وَاسْتَثنِ نَاصِبّا بـ "لَيْسَ" و "خَلَا" … وَبِـ "عَدَا" وَبِـ "يَكُونُ" بَعْدَ "لَا"
(سَوْرَة) -بفتح السين المهملة، وإسكان الواو، وبعدها راء، ثم هاء-: هو الثَّوَرَان،
وعَجَلَة الغضب، ومنه سَوْرة الشراب، وهي قوْته، وحدّته، أي يعتريها ما يعتري الشاربَ من الشراب. وهو منصوب على الاستثناء، كما قدمناه، ويجوز جرّه على قلّة. وقوله (مِنْ حِدَّةِ) بيان للسورة، وهو بكسر الحاء، وتشديد الدال المهملتين-: الغضب (كَانَتْ فِيهَا) جملة في محلّ جرّ صفة لـ "حِدّة". قال القرطبيّ: ويُروى هذا الحرف: "ما عدا سَوْرة حَدِّ" -بفتح الحاء، من غير تاء تأنيث: أي سرعة غضب. انتهى.
قال النووي: ومعنى الكلام أنها كانت كاملة الأوصاف، إلا أن فيها شدّة خُلُق، وسُرْعة غضب، تسرع منها.
قال القرطبيّ: ولأجل هذه الحدّة وقعت بعائشة، واستطالت عليها، أي أكثرت عليها من القول والعتب، وعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - ساكتةٌ تنتظر الإذن من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الانتصار، فلما علمت أنه لا يكره ذلك من قرائن أحواله انتصرت لنفسها، فجاوبتها، وردّت عليها قولها حتى أفحمتها، وكانت زينب لما بدأتها بالعتب واللوم،