للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كأنها ظالمةٌ، فجاز لعائشة أن تنتصر؛ لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] انتهى.

(تُسْرعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ) -بفتح الفاء، وسكون الياء، بعدها همزة-: المرة من الفيء، وهو الرجوع. تعني أن زينب، وإن كان فيها سُرعة غضب، إلا أنها تسرع الرجوع من ذلك، ولا تصرّ عليه.

قال النوويّ: وقد سخف صاحب "التحرير" في هذا الحديث تصحيفًا قبيحًا جدًّا، فقال: "ما عدا سودة" وجعلها سودة بنت زمعة. وهذا من الغلط الفاحش، نبّهت عليه؛ لئلاّ يُغترّ به انتهى (١).

(فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا) تقدّم ضبطه قريبًا (عَلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَتْ:: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي، يسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، وَوَقَعَتْ بِي) أي سَبَّتني على عادة الضرّات، قال القرطبيّ: هو مأخوذ من الوقيعة التي هي معركة الحرب. وقيل: هو مأخودٌ من الوقع، وهو ألم الرِّجْل من المشي، ومنه قولهم: كلّ الحذا يَحتذي الحافي الْوَقِعُ -بكسر القاف انتهى (فَاسْتَطَالَتْ) أي أكثرت عليّ من القول، والْعَتْب (وَأَنَا أَرْقُبُ) -بضمّ القاف- من باب نصر: أي أنتظر، وأراعي (رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ) -بسكون الراء-: أي عينه (هَلْ أَذِنَ لِي فِيهَا) أي في الانتصار منها (فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ) -بفتح الراء- من باب تَعِب: أي لم تزل من مكانها، ولم ترجع إلى بيتها (حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ) أي من قرائن أحواله - صلى اللَّه عليه وسلم -. قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: اعلم أنه ليس فيه دليلٌ على أنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أذن لعائشة، ولا أشار بعينه، وغيرها، بل لا يحلّ اعتقاد ذلك، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - يحرُمُ عليه خائنة الأعين، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها، فلم يَنهها انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله النوويّ من أنه لا يحلّ اعتقاد ذلك يعكر عليه ما تقدّم من رواية المصنّف في "الكبرى"، وابن ماجه في "سننه" بإسناد صحيح، من أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "دونك، فانتصري"، فالذي يظهر أن هذا ليس من خائنة الأعين، بل هو من نصر المظلوم، فلا يحرم عليه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.


(١) "شرح مسلم" ١٦/ ٢٠٢.
(٢) "شرح مسلم" ١٦/ ٢٠٣ "كتاب فضائل الصحابة".