للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا) أي سببتها؛ جزاء لسبّها (لَمْ أَنْشَبْهَا بِشَيْءٍ) وفي رواية مسلم: "لم أنشبها": أي لم أُمهلها، ولم أتلبّث حتى أوقعت بها، وأصله من نَشِبَ بالشيء، أو في الشيء: إذا تعلّق به، واحتبس فيه، أو بسببه (حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا) بالنون، والحاء المهملة، بعدها مثنّاةٌ تحتيّةٌ: أي قصدتها، واعتمدتها بالمعارضة، والمشهور بالثاء المثلّثة، والخاء المعجمة، والنون: أي قمعتها، وقهرتها، أو بالغت في جوابها، وأفحمتها.

وقال القرطبيّ: كذا الرواية بالنون، والحاء المهملة، والياء المثنّاة من تحتها، ومعناه: إني أصبت منها بالذمّ ما يؤلمها، فكأنها أصابت منها مَقْتلاً. وفي "الصحاح": أنحيت على حَلْقه بالسكّين: أي عَرَضت، وحينئذ يرجع معنى هذه الرواية لمعنى الرواية الأخرى التي هي "أثخنتها" أي أثقلتها بجراح الكَلِم، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} الآية [سورة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -: ٤]، أي أثقلتموهم بالجراح، أو أكثرتم فيهم القتل انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ") أي إنها شريفة عاقلةٌ، عارفةٌ كأبيها، ففيه إشارة إلى كمال فهمها، ومتانة عقلها، حيث صبرت إلى أن أثبتت أن التعدّي من جانب الخصم، ثم أجابت بجواب إلزام.

وكأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أشار إلى أن أبا بكر كان عالمًا بمناقب مُضَر، ومثالبها، فلا يُستغرب من بنته أن تتلقى ذلك منه، كما قال الشاعر:

بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الْكَرَمْ … وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

وقال القرطبيّ: قوله: "إنها ابنة أبي بكر" تنبيهٌ على أصلها الكريم الذي نشأت عنه، واكتسبت الجزالة والبلاغة، والفضيلة منه، وطيبُ الفروع بطيب عروقها، وغذاؤها من عروقها، كما قال [من الكامل]:

طِيبُ الْفُرُوعِ مِنَ الأُصُولِ وَلَمْ يُرَى … فَرْعٌ يَطِيبُ وَأَصْلُهُ الزَّقُّومُ

ففيه مدح عائشة، وأبيها - رضي اللَّه تعالى عنهما - انتهى (٢).

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا متّفقٌ عليه.


(١) "المفهم" ٦/ ٣٢٦ - ٣٢٧.
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٢٧.