للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المؤنة، وسهولة الإساغة، وكان أجلّ أطعمتهم يومئذ، وكلُّ هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضليّة له من كلّ جهة، فقد يكون مفضولاً بالنسبة لغيره من جهات أخرى.

وقد ورد في هذا الحديث من الزيادة بعد قوله: "ومريم ابنة عمران": "وخديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -". أخرجه الطبرانيّ عن يوسف بن يعقوب القاضي، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة بالسند المذكور هنا. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" في ترجمة عمرو بن مُرّة أحد رواته عند الطبرانيّ بهذا الإسناد. وأخرجه الثعلبيّ في "تفسيره" من طريق عمرو بن مرزوق به. وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضليّة خديجة، وفاطمة على غيرهما، وذلك في حديث عليّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بلفظ: "وخير نسائها خديجة"، وجاء في طريق أخرى ما يقتضي أفضليّة خديجة وفاطمة، وذلك فيما أخرجه ابن حبّان، وأحمد، وأبو يعلى، والطبرانيّ، وأبو داود في "كتاب الزهد"، والحاكم، كلهم من طريق موسى بن عقبة، عن كُريب، عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون"، وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - في "الأوسط" للطبرانيّ، ولأحمد في حديث أبي سعيد، رفعه: "فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، إلا ما كان من مريم بنت عمران"، وإسناده حسن، وإن ثبت ففيه حجة لمن قال: إن آسية امرأة فرعون ليست نبيّة.

قال: وقال القرطبيّ: الصحيح أن مريم نبيّةٌ؛ لأن اللَّه تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، وأما آسية فلم يرد ما يدلّ على نبوّتها. وقال الكرمانيّ: لا يلزم من لفظة الكمال ثبوت نبوّتها؛ لأنه يُطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، قال: وقد نقل الإجماع على عدم نبوّة النساء. كذا قال، وقد نقل عن الأشعريّ أن من النساء من نُبّىء، وهنّ ستّ: حوّاء، وسارة، وأم موسى، وهاجر، وآسية، ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن اللَّه بحكم من أمر، أو نهي، أو بإعلام مما سيأتي فهو نبيّ، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتّى من ذلك، من عند اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهنّ في القرآن.

وذكر ابن حزم في "الملل والنحل" أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة، وحكى عنهم أقوالاً ثالثها الوقف، قال: وحجة المانعين قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا} الآية. قال: وهذا لا حجة فيه، فإن أحدًا لم يدّع فيهنّ الرسالة، وإنما الكلام في النبوّة فقط، قال: وأصرح ما ورد في ذلك قصّة مريم، وفي قصّة أمّ موسى ما يدلّ على ثبوت ذلك لها، من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر