للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من غير جماع، ونحوه عن ابن عبّاس. وفي حديث ابن عمر الذي رويناه: "لِيَتْرُكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة التي أمر أن تُطلّق لها النساء".

فأما قوله: "ثم يدعها حتى تنقضي عدّتها" فمعناه أنه لا يُتبعها طلاقًا آخر قبل انقضاء عدّتها، ولو طلقها ثلاثًا في ثلاثة أطهار، كان حكم ذلك حكم جمع الثلاث في طهر واحد. قال أحمد: طلاق السنّة واحدةٌ، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حِيَض، وكذلك قال مالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأبو عُبيد. وقال أبو حنيفة، والثوريّ: السنّة أن يطلّقها ثلاثًا في كلّ قرء تطليقة، وهو قول سائر الكوفيين، واحتجوا بحديث ابن عمر، حين قال له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "راجعها، ثم أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر"، قالوا: وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر؛ لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهرٌ كاملٌ، فإذا مضى، ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها. وقوله في حديثه الآخر: "والسنّة أن يستقبل الطهر، فيُطلّق لكلّ قرء" (١). ثم ذكر حديث ابن مسعود المذكور في الباب. ثم قال: ولنا ما روي عن عليّ - رضي اللَّه عنه - أنه قال: لا يطلّقٌ أحد للسنّة، فيندم. رواه الأثرم. وهذا إنما يحصل في حقّ من لم يُطلّق ثلاثًا. وقال ابن سيرين: إن عليًّا - رضي اللَّه عنه - قال: لو أن الناس أخذوا بما أمر اللَّه من الطلاق ما يُتبع رجلٌ نفسَهُ امرأةً أبدًا، يطلّقها تطليقةً، ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثةً، فمتى شاء راجعها. رواه النجاد بإسناده. وروى ابن عبد البرّ بإسناده عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - أنه قال: طلاق السنة أن يطلّقها، وهي طاهر، ثم يدعها حتى تنقضي عدّتها، أو يراجعها إن شاء.

فأما حديث ابن عمر الأول، فلا حجة لهم فيه، لأنه ليس فيه جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر، فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها، ومتى ارتجع بعد الطلقة، ثم طلّقها، كان للسنّة على كلّ حال حتى قد قال أبو حنيفة: لو أمسكها لشهوة، ثم والى بين الثلاث كان مصيبا للسنّة؛ لأنه يكون مرتجعًا لها. والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الأولى، فصارت كأنها لم توجد، ولا غنى به عن الطلقة الأخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته، بخلاف ما إذا لم يرتجعها، فإنه مستغن عنها؛ لإفضائها إلى مقصوده من إبانتها، فافترقا؛ ولأن ما ذكروه إرداف طلاق من غير ارتجاع، فلم يكن للسنّة، كجمع الثلاث في طهر واحد، وتحريم المرأة لا يزول إلا بزوج، وإصابة من غير حاجة، فلم يكن للسنة، كجمع الثلاث.


(١) راجع ما كتبه الشيخ الألبانيّ في "إرواء الغليل" ٧/ ١٠٦ - ١٠٨.