وسيأتي تحقيق القول في ذلك في المسألة الثالثة، إن شاء اللَّه تعالى. قال أيوب -رحمه اللَّه تعالى- (فَلَقِيتُ كَثِيرًا) أي شيخ قتادة (فَسَأَلْتُهُ) أي عن هذا الحديث (فَلَمْ يَعْرِفْهُ) أي لم يعرف هذا الحديث، ولا تحديثه به لقتادة، ففي رواية أبي داود:"قال أيوب: فقدم علينا كثيرٌ، فسألته، فقال: ما حدّثت بهذا قطّ"(فَرَجَعْتُ إِلَى قَتَادَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ) بإنكار شيخه كثير الحديثَ (فَقَالَ) قتادة (نَسِيَ) وفي رواية أبي داود: "فذكرته لقتادة، فقال: بلى، ولكنّه نسي". يعني أن الشيخ نسي تحديثه به لقتادة، بعد أن حدّثه به، ومسألة نسيان الشيخ لحديثه يأتي الكلام عليها في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صححوه موقوفًا على أبي هريرة، وتكلّموا في رفعه، فقال المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-: "هَذَا حَدِيثْ مُنْكَرٌ". وقال الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن رواه عن شيخ المصنّف بسنده: ما نصّه: هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، وسألت محمدًا -يعني البخاريّ- عن هذا الحديث؟ فقال: أخبرنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد بهذا، وإنما هو عن اأبي هريرة موقوفًا، ولم يَعرِف حديث أبي هريرة مرفوعًا. وكان عليّ بن نصر حافظًا، صاحب حديث انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أنه صحيح مرفوعًا؛ لأن سليمان بن حرب، ثقة حافظ، فتفرّده برفعه لا يضره، فيكون زيادة ثقة، وقد أشار إلى صحّته الحافظ أبو الحسن ابن القطّان الفاسيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "كتابه الوهم والإيهام"، انظر كلامه ج٥/ ص٣٩٠ رقم الحديث ٢٥٥٨.
وأما تضعيف ابن حزم، وعبد الحقّ الإشبيليّ له بجهالة كثير مولى سمرة، فمردود عليهما بأنه معروف، روى عنه جماعة، وفيهم من قيل فيه: إنه لا يروي إلا عن الثقات، وهو منصور بن المعتمر، ووثقه العجليّ، وابن حبّان، ولم يضعّفه أحد بحجة، كما أشار إليه الحافظ في "تهذيب التهذيب"، وكذا أشار ابن القطان إلى الردّ عليهما، في