(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الإيلاء:
قال العلاّمة ابن قُدامة عند قول الخِرَقيّ -رحمهما اللَّه تعالى-: "والمولي الذي يَحلف باللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر": ما حاصله: وجملته أن شروط الإيلاء أربعة:
[أحدها]: أن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة من صفاته، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحالف بذلك إيلاءٌ. فأما إن حلف على ترك الوطء بغير هذا، مثل أن حلف بطلاق، أو عَتَاق، أو صدقة المال، أو الحجّ، أو الظهار، ففيه روايتان: إحداهما: لا يكون موليًا، وهو قول الشافعيّ القديم. والرواية الثانية: هو مولٍ. وروي عن ابن عبّاس أنه قال: كلّ يمين منعت جماعها، فهي إيلاء. وبذلك قال الشعبيّ، والنخعيّ، ومالك، وأهل الحجاز، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأهل العراق، والشافعيّ، وأبو ثور، وأبو عبيد، وغيرهم؛ لأنها يمينٌ منعت جماعها، فكانت إيلاءً، كالحلف باللَّه تعالى، ولأن تعليق الطلاق، والعَتَاق على وطئها حلِفٌ بدليل أنه لو قال: متى حلفت بطلاقك، فأنت طالقٌ، ثم قال: إن وطئتك فأنت طالقٌ طلقت في الحال. وقال أبو بكر: كلّ يمين من حرام، أو غيرها يجب بها كفّارة يكون الحالف بها موليًا، وأما الطلاق، والعتاق فليس الحلف به إيلاء؛ لأنه يتعلّق به حقّ آدميّ، وما أوجب كفّارةً تعلّق بها حقّ اللَّه تعالى. والرواية الأولى هي المشهورة؛ لأن الإيلاء المطلق إنما هو القسَمُ، ولهذا قرأ أُبيّ، وابن عبّاس - رضي اللَّه عنهم -: "يُقسِمون" مكان: {يُؤْلُونَ}، وروي عن ابن عبّاس في تفسير {يُؤْلُونَ} قال: يحلفون باللَّه. هكذا ذكره الإمام أحمد. والتعليق بشرط ليس بقسم، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم، ولا يُجاب بجوابه، ولا يذكره أهل العربيّة في باب القسم، فلا يكون إيلاء، وإنما يُسمى حلفًا تجوّزًا؛ لمشاركته القسم في المعنى المشهور في القسم، وهو الحثّ على الفعل، أو المنع عنه، أو توكيد الخبر، والكلام عند الإطلاق لحقيقته. ويدلّ على هذا قول اللَّه تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ٢٢٦] وإنما يدخل الغفران في اليمين باللَّه. وأيضًا قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من حلف بغير اللَّه فقد أشرك". رواه أحمد، والترمذيّ، وقوله:"إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم". متّفقٌ عليه.
قال: الشرط الثاني: أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر. وهذا قول ابن عبّاس، وطاوس، وسعيد بن جبير، وما لك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأبي ثور، وأبي عبيد. وقال عطاءٌ، والثوريّ، وأصحاب الرأي: إذا حلف على أربعة اْشهر، فما زاد كان موليًا. وحكى ذلك القاضي، وأبو الحسين رواية عن أحمد؛ لأنه ممتنع من الوطء