باليمين أربعة أشهر، فكان موليًا، كما لو حلف على ما زاد. وقال النخعيّ، وقتادة، وحمّاد بن زيد، وابن أبي ليلى، وإسحاق: من حلف على ترك الوطء في قليل من الأوقات، أو كثير، تركها أربعة أشهر، فهو مولٍ؛ لقول اللَّه تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، وهذا مولٍ، فإن الإيلاء الحلف، وهذا حالف.
قال: ولنا أنه لم يمنع نفسه من الوطء ياليمين أكثر من أربعة أشهر، فلم يكن موليًا، كما لو حلف على ترك قُبلتها، والآية حجة لنا؛ لأنه جعل له تربّص أربعة أشهر، فإذا حلف على أربعة أشهر، أو ما دونها، فلا معنى للتربّص؛ لأن مدّة الإيلاء تنقضي قبل ذلك، أو مع انقضائه، وتقدير التربّص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدّة تناولها الإيلاء، ولأن المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر، فإذا انقضت المدّة بأربعة، فما دون لم تصحّ المطالبة من غير إيلاء. وأبو حنيفة، ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في الْفَيْئة أنها تكون في مدّة الأربعة الأشهر، وظاهر الآية خلافه؛ فإن اللَّه تعالى قال:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} الآية، فعقّب الفيئة عقب التربّص بفاء التعقيب، فيدلّ على تأخّرها عنه.
قال: الشرط الثالث: أن يحلف على ترك الوطء في الفرج، ولو قال: واللَّه لا وطئتك في الدبر لم يكن موليًا؛ لأنه لم يترك الوطء الواجب عليه، ولا تتضرّر المرأة بتركه، وإنما هو وطء محرّمٌ، وقد أكّد منع نفسه منه بيمينه. وإن قال: واللَّه لا وطئتك دون الفرج، لم يكن موليًا؛ لأنه لم يحلف على الوطء الذي يُطالب به في الفيئة، ولا ضرر على المرأة في تركه.
قال: الشرط الرابع: أن يكون المحلوف عليها امرأته؛ لقول اللَّه تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، ولأن غير الزوجة لا حقّ لها في وطئه، فلا يكون موليًا عنها، كالأجنبيّة، فإن حلف على ترك وطء أمته لم يكن موليًا؛ لما ذكرنا. وإن حلف على ترك وطء أجنبيّة، ثم نكحها، يكن موليًا؛ لذلك. وبه قال الشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال مالكٌ يصير موليًا إذا بقي من مدّة يمينه أكثر من أربعة أشهر؛ لأنه ممتنع من وطء امرأته بحكم يمينه مدّة الإيلاء، فكان موليًا، كما لو حلف في الزوجيّة. وحكي عن أصحاب الرأي أنه إن مرّت به امرأةٌ، فحلف أن لا يقربها، ثم تزوّجها، لم يكن موليًا، وإن قال: إن تزوّجت فلانة، فو اللَّه لا قربتها، صار موليًا؛ لأنه أضاف اليمين إلى حال الزوجيّة، فأشبه ما لو حلف بعد تزوّجها. قال: ولنا قول اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وهذه ليست من نسائه. انتهى كلام ابن قدامة