للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

باختصار (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: خلاصة القول في المسألة أن الراجح في الإيلاء، هو أن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة من صفاته على ترك وطء زوجته في الفرج أكثر من أربعة أشهر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم فيما إذا مضت أربعة أشهر، ولم يَفِىء إلى امرأته:

قال العلامة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: المولي يتربّص أربعة أشهر، كما أمر اللَّه تعالى، ولا يُطالب بالوطء فيهنّ، فإذا مضت أربعة أشهر، ورافعته امرأته إلى الحاكم وَقَفَه، وأمره بالفيئة، فإن أبى أمره بالطلاق، ولا تطلق زوجته بنفس مضيّ المدّة. قال أحمد في الإيلاء: يوقف عن الأكابر من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن عمر شيء يدلّ على ذلك، وعن عثمان، وعليّ، وجعل يثبت حديث عليّ. وبه قال ابن عمر، وعائشة. وروي ذلك عن أبي الدرداء، وقال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلاً من أصحاب محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - يوقفون في الإيلاء. وقال سهيل بن أبي صالح: سألت اثني عشر من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكلّهم يقول: ليس عليه شيء، حتى يمضي أربعة أشهر، فيوقف،

فإن فاء، وإلا طلّق. وبهذا قال سعيد بن المسيّب، وعروة، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، ومالكٌ، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر.

وقال ابن مسعود، وابن عبّاس، وعكرمة، وجابر بن زيد، وعطاء، والحسن، ومسروقٌ، وقبيصة، والنخعيّ، والأوزاعيّ، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي: إذا مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة. وروي ذلك عن عثمان، وعليّ، وزيد، وابن عمر. وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن، ومكحول، والزهريّ: تطليقةٌ رجعيّة.

وُيحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {فَإِنْ فَاءُوا} فيهن {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ولأن هذه مدّةٌ ضُربت لاستدعاء الفعل منه، فكان ذلك في المدّة كمدّة العنّة.

قال: ولنا قول اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وظاهر ذلك أن الفيئة بعد أربعة أشهر؛ لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية للتعقيب، ثم قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، ولو وقع بمضيّ المدّة لم يحتج إلى عزم عليه، وقوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أن الطلاق مسموع، ولا يكون المسموع إلا كلامًا انتهى كلام ابن قدامة باختصار (٢).


(١) "المغني" ١١/ ٥ - ٢٣. "كتاب الإيلاء".
(٢) "المغني" ١١/ ٣٠ ظ-٣٢. "كتاب الإيلاء".