وقال في "الفتح" بعد ذكر كلام سليمان بن يسار: "أدركنا الناس يقفون في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر": ما نصّه: وهو قول مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وسائر أصحاب الحديث، إلا أن للمالكيّة والشافعيّة بعد ذلك تفاريع يطول ذكرها، منها: أن الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون فيه رجعيًّا، لكن قال مالك: لا تصحّ رجعته إلا إن جامع في العدّة. وقال الشافعيّ: ظاهر كتاب اللَّه تعالى على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلاً، فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي، فإذا انقضت فعليه أحد أمرين: إما أن يفيء، وإما أن يطلّق، فلهذا قلنا: لا يلزمه الطلاق بمجرّد مضيّ المدّة حتى يُحدث رجوعًا، أو طلاقًا، ثم رجّح قول الوقف بأن أكثر الصحابة قال به، والترجيح قد يقع بالأكثر، مع موافقة ظاهر القرآن. ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمّة قال: لم يجد في شيء من الأدلّة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا، ولو جاز لكان العزم على الفيء يكون فيئًا، ولا قائل به، وكذلك ليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوي بها الطلاق تقتضي طلاقًا. وقال غيره: العطف على الأربعة أشهر بالفاء يدلّ على أن التخيير بعد مضيّ المدّة، والذي يتبادر من لفظ التربّص أن المراد به المدّة المضروبة ليقع التخيير بعدها. وقال غيره ة جعل اللَّه الفيء، والطلاق معلّقين بفعل المولي بعد المدّة، وهو من قوله تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا}، {وَإِنْ عَزَمُوا}، فلا يتّجه قول من قال: إن الطلاق يقع بمجرّد مضيّ المدّة. واللَّه أعلم انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد اتّضح بما ذُكر من الأدلّة أن الراجح أنه إذا مضت المدّة يوقف المولي، فإما أن يفيء إلى امرأته، وإما أن يطلّق، وأن القول بوقوع الطلاق بنفس مضيّ المدّة قول مرجوح؛ لمخالفته ظاهر كتاب اللَّه تعالى، وقول جمهور الصحابة - رضي اللَّه عنه -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في أقوال أهل العلم في معنى الفيئة:
قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: أجمع كلّ من يُحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء الجماع، كذلك قال ابن عبّاس. وروي ذلك عن عليّ، وابن مسعود. وبه قال مسروق، وعطاء، والشعبيّ، والنخعيّ، وسعيد بن جبير، والثوريّ، والأوزاعيّ، وأبو عبيدة، وأصحاب الرأي، إذا لم يكن عن عذر.
وأصل الفيء الرجوع، ولذلك يُسمّى الظلّ بعد الزوال فيئًا؛ لأنه رجع من المغرب إلى المشرق، فسمّي الجماع من المولِي فيئةً؛ لأنه رجوع إلى فعل ما تركه. وأدنى